الدكروري يكتب عن ما عندكم ينفد وما عند الله باق

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، لقد جاء في وصف الغرب للنبي صلي الله عليه وسلم بأنه” لم يتعاطي الخمر التي حرمها هو على غيره، وكان لطيفا مع العظماء، وبشوشا في وجه الضعفاء، عظيما مهيبا أمام المتعاظمين، متسامحا مع أعوانه، يشترك في تشييع كل جنازة تمر به، ولم يتظاهر قط بأبهة السلطان، وكان يرفض أن يوجه إليه شيء من التعظيم الخاص، يقبل دعوة العبد الرقيق إلى الطعام، ولا يطلب إلى عبد أن يقوم بعمل يجد لديه من الوقت والقوة ما يمكنانه من القيام به بنفسه، ولم يكن ينفق على أسرته إلا القليل من المال وكان يخص الصدقات بالجزء الأكبر، وكان محاربا صارما لا يرحم عدوا.

وقاضيا عادلا في وسعه أن يقسو ويعذر، لكن أعماله الرحيمة أكثر من أن تعد” وكل هذا يدفعنا إلي التأسي بسنته صلي الله عليه وسلم، وماذا خسر أبو بكر الصديق الذي أنفق ماله كله في سبيل الله، ونصرة دين الله؟ وماذا خسر الفاروق عمر الذي أنفق نصف ماله في سبيل الله ورفع كلمة الله؟ وماذا خسر ذو النورين عثمان بن عفان الذى جهز جيش العسرة بسبعمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، واشترى بئر رومة للمسلمين، ولا زال ينفق وينفق، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم” والله ما خسر واحد منهم أبدا، بل اشتروا بأموالهم جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، جعلني الله وإياكم منهم، اللهم آمين، وأنت ماذا تخسر لو أنفقت مائة جنية من مالك فدفعتها فى باب الخير، لا، والله لن تخسر أبدا، إذن فاغتنم الفرصة.

وأنفق اليوم من مالك ما تجده غدا أمامك حاضرا، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا” وأذكرك بقوله تعالى ” ما عندكم ينفد وما عند الله باق” فاتقوا الله تعالى واشكروه على ما رزقكم، وأنفقوا مما آتاكم، واعلموا أنه ليس لكم إلا ما قدمتم لآخرتكم، ولن تكونوا من أهل الإحسان والتقوى، والمنازل العالية في الجنة، إلا تصدقتم بأحب أموالكم إليكم، وقد أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بأن ملكين ينزلان كل يوم يدعوان للمنفق بالخلف ويدعوان على الممسك بالتلف فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا” وقد كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم وهم القدوة والأسوة للأمة الذين هم خير القرون وأفضل القرون.

قد كان عندهم حرص عظيم على هذا الجانب، فكانوا حريصين على البذل والإنفاق في سبيل الله على قلة ما في أيديهم من الأموال قثد جاء في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال “أصبت مالا لم أصب في حياتي أنفس منه فذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم أستشيره فيه فقلت يا رسول الله إني أصبت مالا هو أنفس مال أصبته في حياتي فبما تأمرني؟ قال “حبس الأصل وسبل الثمرة” أى أوقف هذا المال فأوقفه عمر رضي الله عنه في وجوه البر” وكان في المدينة بئر رومة، وكانت ليهودي، وكان هذا اليهودي يبيع ماءها على المسلمين يبيع كل قربة بدرهم فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم من يشتري بئر رومه، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين وله الجنة، فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه وأوقفها على المسلمين.

وقيل أيضا أنه حدث في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه “أن أصاب الناس قحط ثم قدمت المدينة عير لعثمان من الشام، فخرج الناس يتلقونها فإذا هي ألف بعير موسوقة بُرا وزيتا وزبيبا، فأناخت بباب عثمان، فلما جعلت أحمالها في داره، جاءه تجار المدينة، وقالوا بعنا من هذا الذى وصل إليك فإنك تعلم حاجة الناس إليه، قال عثمان كم تربحونني على شرائه؟ قالوا الدرهم بدرهمين قال أعطيت زيادة على هذا، قالوا نعطيك أربعة، قال أعطيت أكثر، قالوا نربحك خمسة، قال أعطيت أكثر، قالوا ومن الذى أعطاك أكثر ما في المدينة تجار غيرنا وما سبقنا أحد إليك فمن الذى أعطاك أكثر مما أعطيناك؟ فقال الله أعطاني بكل درهم عشرة، فهل عندكم زيادة؟ قالوا لا قال فإني أشهد الله أني جعلتها صدقة على الفقراء والمساكين ثم فرقها عليهم فما بقي من فقراء المدينة أحد إلا أخذ منها ما يكفيه وأهله”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.