الدكروري يكتب عن قيام المسلم بما التزم به


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الإنسان في الدنيا يبذل جهده ليحمي ماله ويحفظ نفسه من الفلس، فإن طالب النجاة أولى أن يحمي حسناته من الضياع يوم القيامة وألا يكون من المفلسين يوم الدين وإن الاغترار بالقوة والقدرة والأمن من المحاسبة الدنيوية من أساب الاستخفاف بالحقوق، فقد كتب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله ” أما بعد، فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام ” وفي يوم القيامة تتكشف تلك الذرائع عن فسادها، ويبدو المستور، وتسقط أقنعة التأويلات، ويبوء أهلها بشؤم عقباها وللمخالَط والصاحب بالغ الأثر في حفظ حقوق الخلق واستلابها.

فالمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل، وإن الوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به، سواء كان قولا أم كتابا، ولا يبرأ إلا بالوفاء به، وعندما يخلف عن قصد يخرج عن نطاق الإيمان ويقع في دائرة النفاق، فعن أنس ابن مالك رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” رواه احمد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان” رواه البخارى ومسلم، وإن العهد ينقسم إلى قسمين، هو عهد الله مع الناس، وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما “كل ما أحل الله وما حرم وما فرض في القرآن فهو عهد”

فالإيمان الفطري عهد أخذه الله علينا ونحن في عالم الغيب، فقال تعالى “وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم وذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا” وكذلك فإن الإحسان بالقول والفعل عهد، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة عهد، والعدل مع النفس والأهل والزوجة والناس عهد، فقال تعالى ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى” وإن نشر العلم وبيانه عهد، فقال تعالى “وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه” فقال قتادة “هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن تعلم علما فليعلمه الناس، وإياكم وكتمان العلم فإن كتمان العلم هلكة” وكذلك فإن بيع النفس والمال بالجنة في الجهاد في سبيل الله عهد.

حيث قال تعالى ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراه والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ” فقال شمر بن عطية “ما من مسلم إلا ولله عز وجل في عنقه بيعة، وفى بها أو مات عليها” ثم تلا هذه الآية، وجملة القول أن العهد بين الله وبين خلقه على عبادته وطاعته، وهي أمانة حملها الإنسان، فقد قال الله تعالى “إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وخملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا” وهكذا فإن العهد قسمان عهد مع الله وعهد مع الناس، فأما العهود التي بين الناس بعضهم بعضا فهي كثيرة يختارها الناس.

فهي مواثيق وعهود ووعود والتزامات بحاجة إلى الوفاء، وإلا اختلت موازين التعامل والمعاشرة بين الناس، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيمة الوفاء، وضمن الجنة لمن أداه، فقال صلى الله عليه وسلم “اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم” رواه أحمد والحاكم، وإن ناكث العهد خصم، ويكون خصمه يوم القيامة رب العالمين عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم “قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر أي حلف باسم الله وعهده، ورجل باع حرا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.