بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات، الحمد لله الذي علم العثرات، فسترها على أهلها وأنزل الرحمات، ثم غفرها لهم ومحا السيئات، فله الحمد ملء خزائن البركات، وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات، وله الحمد ما تعاقبت الخطوات، وله الحمد عدد حبات الرمال في الفلوات، وعدد ذرات الهواء في الأرض والسماوات، وعدد الحركات والسكنات، وأشهد أن لا إله إلا الله لا مفرّج للكربات إلا هو، ولا مقيل للعثرات إلا هو، ولا مدبر للملكوت إلا هو، ولا سامع للأصوات إلا هو، ما نزل غيث إلا بمداد حكمته، وما انتصر دين إلا بمداد عزته، وما اقشعرت القلوب إلا من عظمته، وما سقط حجر من جبل إلا من خشيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قام في خدمته، وقضى نحبه في الدعوة لعبادته.
وأقام اعوجاج الخلق بشريعته، وعاش للتوحيد ففاز بخلته، وصبر على دعوته فارتوى من نهر محبته، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واستن بسنته وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن من الفضل والثواب في العشر الأوائل من شهر ذي الحجه هو أنه يستحب فيها الصيام، فعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر” رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم، وقال النووي عن صوم أيام العشر أنه مستحب استحبابا شديدا، وأجاب العلماء عن حديث السيدة عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر قط، بأنه إذا تعارض مثبت ومنفي قدم المثبت على المنفي.
وإن من الفضل والثواب أن فيها الأضحية وهي من أفضل أعمال يوم النحر، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض فيطيبوا بها نفسا” رواه الترمذي، ويستحب للمضحي أن يمسك عن شعره وأظفاره لما روى مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضّحي فليمسك عن شعره وأظفاره” ولعل ذلك تشبها بمن يسوق الهدي، فقد قال الله تعالى فى سورة البقرة ” ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله” وهذا النهي يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد، إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه.
وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا أثم عليه فيما أخذه قبل النية، وإن من الفضل والثواب أن فيها البر والصلة وقراءة القرآن والإنفاق وقيام الليل، والأعمال الصالحات، وكذلك أعمال تعدل أجر الحج في الجزاء، وإن من أجل وأعظم نفحات ربنا جل وعلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن شرّع لهم أعمالا تعدل الحج في الجزاء والفضل والثواب لكن لا تغنيه هذه الأعمال عن حج الفريضة إذا بلغ حد الاستطاعة، وإنني أزف إليكم بشرى لمن تقطع قلبه، وذرفت عيناه شوقا لبيت الله الحرام لكن يعجز عن ذلك، واعلموا أن من رحمة الله تبارك وتعالي بعباده أن جعل من حالت دونه السبل عن الحج لعذر شريكا لمن ذهب في الأجر، بل شرع الله لنا أعمالا تعدل أجر الحج والعمرة ، وهذه الأعمال لا تكلفك تأشيرة ولا مالا ولا سفرا.