الدكروري يكتب عن صاحب حلية الأولياء


بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن الإمام تقي الدين السبكي، ومن مسموعاته الحديثية الكتب الستة والسيرة النبوية، وسنن الدارقطني ومعجم الطبراني، وحلية الأولياء ومسند الطيالسي، ومسند الحارث بن أسامة، ومسند الدارمي ومسند عبد ومسند العدني، ومسند الشافعي، وسنن الشافعي، واختلاف الحديث للشافعي، ورسالة الشافعي، ومعجم ابن المقرئ، ومختصر مسلم، ومسند أبي يعلى، والشفاء للقاضي عياض، ورسالة القشيري، ومعجم الإسماعيلي، والسيرة للدمياطي، وموطأ يحيى بن يحيى، وموطأ القعنبي، وموطأ ابن بكير، والناسخ والمنسوخ للحازمي، وأسباب النزول للواحدي، وأكثر مسند أحمد، ومن الأجزاء شيء كثير، ولقد شاهدت منه أمورا.

ما أكاد أقضي العجب منها من تدقيق وتحقيق ومشاحة في ألفاظ المصنفين، وما ينظر فيه من أقوال الفقهاء وغيرهم، والذي أقول فيه إنه أي مسألة أخذها وأراد أن يملي فيها منصنفا فعل، ولم أري من اجتمعت فيه شروط الاجتهاد غيره، نعم والعلامة ابن تيمية، إلا أن هذا أدق نظرا وأكثر تحقيقا، وأقعد بطريق كل فن تكلم فيه، وما في أشياخه مثله، وكان الأمير سيف الدين الجابي الدوادار لا يكاد يفارقه، ويبيت عنده في القلعة ليالي، ويقيم أياما، ولما توفي قاضي القضاة جلال الدين القزويني بالشام، جاء الخبر ونحن بالقاهرة في خدمة الأمير سيف الدين تنكز سنة تسع وثلاثين، فطلب السلطان الملك الناصر محمد قاضي القضاة عز الدين ابن جماعة وطلبه، وطلب الشيخ شمس الدين ابن عدلان.

فلما حضروا قال له يا شيخ تقي الدين، قد وليتك قضاء القضاة بالشام وألبس تشريفه وخرج صحبة نائب الشام، وكنت في خدمته في الطريق، فالتقطت الفوائد وجمعت الفرائد وسهلت بسؤاله ما كان عندي من الغوامض الشدائد، ووددت أن النوى لم تلق لها عصا، وأن اليعملات في كل هاجرة تنفي يداها الحصى، وباشر القضاء بصلف زاد، ومشى ما حال عن جادة الحق ولا حاد، منزه النفس عن الحطام، منقادا إلى الزهد بخطام، مقبلا على شأنه في العلم والعمل، منصرفا إلى تحصيل السعادة الأبدية، فما له في غيرها أمل، ناهيك به من قاض، حكمه في هذا الأقليم متصرف الأوامر، وحديثه في العفة عن الأموال علالة السامر، ليس في بابه من يقول لخصم هات، ولا من يجمجم الحق أو يموه بالترهاب.

ومات الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله وهو يعظمه ويختار أكبر الجوهر للثناء عليه، فجمع أفانين العلوم في شبه الوشي المرقوم، ما بين خط أذا رمقته العيون قالت هذا خط ابن مقلة، ونظم لا يطيق حبيب أن ينكر فضله، ونثر يرى عبد الرحيم عليه طوله، صدر عمن توقل ذروة البلاغة وسنامها، وامتطى غاربها، وملك زمانها، وكملها من كل علم بأكمل نصيب، ضاربا فيه بالسهم المصيب، مشمرا فيه عن ساق الجد والاجتهاد، متوقدا ذكاء، مع ارتياض وارتياد إلى من هو عن ذلك كله بمعزل ومن قعد به قصوره إلى حضيض منزل يطلب منه شيئا مما نظم ولعمري، لقد استسمن ذا ورم ومن أين لي النظم والرسائل إلا بنغبة من المسائل، على تبلد خاطر وكلال قريحة، وتقسم فكر بين أمور سقيمة وصحيحة،

فأبى لمثلي شعر ولا شعور، أو يكون لي منظوم ومنثور؟ غير أني مضت لي أوقات استخفني فيها إما محبة التشبه بأهل الأدب، وإما ذهول عما يحذره العقلاء من العطب، وإما حالة تعرض للنفس فتنضح بما فيها وأقول دعها تبلغ من أمانيها، فنظمت ما يستحى من ذكره ويستحق أن يبالغ في ستره ولكنك أنت الحبيب الذي لا يستر عنه معيب، أذكر لك منه حسب ما أمرت نبذا، وأقطع لك منه فلذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.