بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم، أما بعد إن من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم عصمته من أعدائه، وهم الجم الغفير، والعدد الكثير، وهم على أتم حنق عليه، وأشد طلب لنفيه، وهو بينهم مسترسل قاهر، ولهم مخالطٌ ومكاثر، ترمقه أبصارهم شزرا، وترتد عنه أيديهم ذعرا، وقد هاجر عنه أصحابه حذرا حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليما، لم يكلم في نفس ولا جسد.
وما كان ذاك إلا بعصمة إلهية وعده الله تعالى بها فحققها، حيث يقول الله تعالي ” والله يعصمك من الناس” فعصمه منهم، وهكذا فإن الصراع بين الحق والباطل صراع قديم وممتد، وهو سنة إلهية ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة، ومكر وكيد أعداء الإسلام بالدين وأهله أمر مستمر ومتكرر في كل زمان ومكان، فعلى الداعية إلى الله أن يلجأ إلى ربه، وأن يثق به، ويتوكل عليه، ويعلم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وفي الهجرة يبرز عظم دور الشباب في نصرة الحق ويتجلى ذلك في الدور الذي قام به علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين بات ليلة الهجرة على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يخشي من القتل، تضحية بحياته في سبيل الإبقاء على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشاب آخر من أبطال الهجرة وهوعبد الله بن أبي بكر الصديق حيث كان يستمع أخبار قريش، ويزود بها النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما الغنم فاحتلبا وذبحا، فإذا غدا عبد الله بن ابي بكر من عندهما إلى مكة اتبع عامر أثره بالغنم يعفي عليه، وفي الهجرة بيان عظم شأن الأمانة ورد الحقوق لأهلها فقد تآمرت قريش على قتل النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، ورغم ذلك لم ينسي أن يوصي علي بن أبي طالب رضي الله عنه قبل هجرته ويوكله برد الودائع التي أودعوها عنده، فإن الأمة بحاجة ملحّة إلى الاستفادة من دروس الهجرة النبوية، وأن المسلمين الأوائل صنعوا تاريخا مشرفا،
وهو ما يوجب على الأجيال الحالية استلهام روح آبائهم وأجدادهم لتقديم نموذج حضاري متميز يحتذى فقد تركت الهجرة المباركة آثارا جليلة على حياة المسلمين، ليس فقط في عصر النبوة، ولكنها امتدت لتشمل كل عصر ومصر، بقيمها الأخلاقية والتشريعية التي تنظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع، وسيرته عليه الصلاة والسلام هي القدوة والأسوة الحسنة، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله وأعلموا عباد الله أن الهجرة الحقيقية هي هجرة القلوب إلى الله تعالى والإخلاص في التوجه إليه في السر والعلانية حيث قال صلى الله عليه وسلم ” فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه” متفق عليه.