بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ثم الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، نحمده سبحانه أحاط بكل شيء خبرا، ونحمده بأن جعل لكل شيء قدرا، وأسبغ علينا وعلى العالمين من حفظـه سترا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين كافة عذرا ونذر، اللهم صلي على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم ووالاهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد، إن العمل هو مطلب شرعي إسلامي لكل زمان ومكان وإن المتأمل في سوق العمل اليوم يري عجبا، فهناك أفواج كثيفة متخرجة من التعليم العالي لكنها لا طموح لدى أفرادها في مجال التميز بالعمل المفيد الذي يعود بالتنمية الحقيقية على وطنه وأمته، وإنما يعمل خريج الهندسة في مجال السياحة والمتخرج من الطب بالتجارة.
وهكذا في دوائر مفرغة لا يجدها المتابعون إلا بين ظهراني أمتنا، ومع أمواج البلاء الجارفة فقد ظهر مع هذا الجيل ظرفاء وهباء ينعتون أنفسهم بأنهم نشطاء، ولسنا ندري أين مكان الدراسة الذي يخرج هؤلاء النشطاء في بلادنا؟ وما هو نشاطهم الحقيقي في مجال العمل ونهضة الأمة؟ وما هم إلا أدوات تعمل لمصالح غريبة مشبوهة عن وطننا وعن ديننا، وظهر كذلك استراق للمناصب والخبرات بإطلاق نعت الخبراء على كثير من المفلسين والسطحيين، ومعهم كل من يعمل في صحيفة لا يعرفها أحد ثم يُطلق عليه نعوت الإعلاميين المشهورين، ولا شك فإن سوق العمل في هذه المجالات يتأرجح بين نادر من الصدق وأمواج سخيفة من السطحية والغثاء، وقد ضبط الإسلام الحنيف أخلاق أتباعه في ميدان العمل وفرض عليهم بذل الجهد وإتقان العمل لوجه الله لا لمراءاة الناس.
كما فرض الإسلام على أتباعه في مجال العمل عدم الغش للسلعة، ومن أخلاق العمل في الإسلام أن لا يتقاضى رشوة على عمله، وعلى الشاب في بداية حياته أن لا يأنف من أي عمل ما دام مباحا لأنه لو كان في قطر أجنبي لقام بأي مهنة وعدّ نفسه بقبوله فيها من المحظوظين فليفعل ذلك في بلده باختيار حرفة تكفي مطالبه فربما يرفع الله بها شأنه ولو بعد حين وأن يصبر على لأواء البدايات فإنها ليست نزهة في وقت الأصيل، وهكذا كان سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه بعد هجرته وقد ترك أملاكه في مكة واستوطن المدينة قد لا يجد ما يسد به رمقه، فيقول جُعت بالمدينة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب على تمر فعددت ستة عشر ذنوبا حتى محلت يداي ثم أتيت الماء فصببت منه.
ثم أتيتها فقلت يكفي هذا فعدت فيها ستة عشرة تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأكل معي منها، فإن الجد في العمل دين وعهدة رحمانية وأمانة محمدية للمؤمنين من بني آدم أودعها الشرع بمحكماته في قلوب وعقول الأمة أفرادا ومجتمعات، ومهما رفعنا بنيان العمل ولو لأزمان قادمة على غير الدين فإننا لن نفلح ولن نتقدم في دروب العاملين خطوة واحدة كما فشلت الجهود في سابق الأزمان، وذلك لأن الدين يربي الضمير والإتقان وإحسان العمل لوجه الله رب العالمين، فإن للأخلاق أهمية بالغة في حياة الإنسان لما لها من أثر كبير في سلوكه وما يصدر عنه من أفعال، ولأن سلوك الإنسان موافق لما هو مستقر في نفسه من معان وصفات، فكل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح، فأفعال الإنسان موصولة دائما بما في نفسه من معاني وصفات.
صلة فروع الشجرة بجذورها الضاربة في باطن الأرض، وعليه يمكن القول إن صلاح أفعال الإنسان مرتبط بصلاح أخلاقه لأن الفرع بأصله فإذا صلح الأصل صلح الفرع، وإذا فسد الأصل فسد الفرع، وتمثل الأخلاق ركنا أساسا في حياة الإنسان فردا وجماعة، وضرورة إنسانية لازمة لحياة المجتمعات، وبدونها يصبح الإنسان ذئبا يعدو على أخيه الإنسان، ولا يمكن عندئذ إقامة حياة اجتماعية سليمة.