بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد، لقد كان من زهد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وقلة ما بيده أن النار لا توقد في بيته في الثلاثة أهلة في شهرين، فعن عروة رضي الله عنه قال عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول والله يا ابن أختي كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهله في شهرين ما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قلت يا خالة فما كان عيشكم؟ قالت الأسودان، التمر والماء ” متفق عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاءا، وكان أكثر خبزهم الشعير ” رواه الترمذي وابن ماجه.
وكما كان عليه الصلاة والسلام أعبد الناس ومن كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان عبدا لله شكورا، فإن من تمام كريم الأخلاق هو التأدب مع الله رب العالمين، وذلك بأن يعرف العبد حق ربه سبحانه وتعالى عليه فيسعى لتأدية ما أوجب الله عز وجل عليه من الفرائض ثم يتمم ذلك بما يسّر الله تعالى له من النوافل وكلما بلغ العبد درجة مرتفعة عالية في العلم والفضل والتقى كلما عرف حق الله تعالى عليه فسارع إلى تأديته والتقرب إليه عز وجل بالنوافل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه إن الله تعالى قالى ” وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ” رواه البخاري.
وهكذا كان النبي صلي الله عليه وسلم، وما علينا سوى إعمال عقولنا لسلوك الطريق الصحيح وقد رسم لنا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم، طريقا واضحا سليما صحيحا في الحياة، فخلدت سنته في نفوسنا ووجداننا لتكون منارا نهتدي به إلى يوم يبعثون، وكان هذا الطريق منهجا متكاملا لا نقص فيه ولا خلل لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا نوّه إليها، لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا الحسنة في جميع مجالات الحياة، ولأثر القدوة في عملية التربية، وخاصة في مجال الاتجاهات والقيم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوة المسلمين طبقا لما نص عليه القرآن الكريم، وقد استطاع بفضل تلك القدوة أن يحمل معاصريه قيم الإسلام وتعاليمه وأحكامه، لا بالأقوال فقط، وإنما بالسلوك الواقعي الحي، وقد حرصوا على تتبع صفاته وحركاته، ورصدها والعمل بها.
وما ذلك إلا حرصا منهم على تمثل أفعاله صلى الله عليه وسلم، لقد كان المثل الأعلى لهم، وقد تمثلت في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، صفات جليلة جعلت منه قدوة بالفعل، والقدوة الحسنة هي المثال الواقعي للسلوك الخلقي الأمثل، وهذا المثال الواقعي قد يكون مثالا حسيّا مشاهدا ملموسا يقتدي به، وقد يكون مثالا حاضرا في الذهن بأخباره، وسيره، وصورة مرتسمة في النفس بما أثر عنه من سير، وقصص، وأنباء من أقوال أو أفعال، والقدوة الحسنة تكون للأفراد على صفة أفراد مثاليين ممتازين وتكون للجماعات على صفة جماعات مثالية ممتازة ، ووجه القرآن الكريم بصراحة تامة إلى القدوة الحسنة، فقال الله تعالى في سورة الأحزاب ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا”
ففي هذا النص إرشاد عظيم من الله تبارك وتعالى للمؤمنين، أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدوة حسنة لهم، يقتدون به، في أعماله، وأقواله، وأخلاقه، وكل جزئيات سلوكه في الحياة، فهو خير قدوة يقتدي بها الأفراد العاديون، والأفراد الطامحون لبلوغ الكمال الإنساني في السلوك، وجعل الله تعالي الذين آمنوا معه، وصدقوا، وأخلصوا، واستقاموا ، أمثلة رائعة يقتدى بها في معظم الفضائل الفردية والاجتماعية ولئن انتقل الرسول صلوات الله عليه إلى جوار ربه، فإن سيرته التي تحتوي على جزئيات سلوكه ماثلة لنا.