بقلم / محمــــد الدكـــروري
الحمد لله الذي بعث في الناس رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، أحمدك يا رب على أن اخترت الرسول الكريم ليكون نورا للعالمين، ثم الصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان ضياء للسالكين، وقدوة للناس أجمعين، فكان صلى الله عليه وسلم طفلا، فإن الطهر ولد معه والبشر صاحبه، والتوفيق رافقه، فهو طفل لكن لا كالأطفال، براءة في نجابة، وذكاء مع زكاء، وفطنه مع عناية،، فعين الرعاية تلاحظه، ويد الحفظ تعاونه، وأغضان الولاية تظلله، فهو هالة النور بين الأطفال، حفظه الله من الرعونة ومن كل خلق رديء ووصف مقيت ومذهب سيء، لأنه صلى الله عليه وسلم من ثغره مرشح لإصلاح العالم، مهيأ لإسعاد البشرية، معدّ بعناية لاخراج الناس من الظلمات الى التور.
فهو صلى الله عليه وسلم الرجل لكن النبي، والإنسان لكن الرسول، والعبد لكن المعصوم، والبشر لكن الموحى إليه، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “خمس بخمس، قيل يا رسول الله وما خمس بخمس؟ قال ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الموت، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر، ولا طففوا المكيال إلا حبس عنهم النبات، وأخذوا بالسّنين” رواه الطبراني، وقيل عن أحوال المطففين عند الموت قال بعضهم دخلت على مريض وقد نزل به الموت، فجعلت ألقه الشهادة ولسانه لا ينطق بها فلما أفاق قلت له يا أخي، ما لي ألقنك الشهادة ولسانك لا ينطق بها؟
قال يا أخي لسان الميزان على لساني يمنعني من النطق بها فقلت له بالله أكنت تزن ناقصا؟ قال لا والله، ولكن ما كنت أقف مدة لأختبر صحة ميزاني” وعن مالك بن دينار قال دخلت على جار لي، وقد نزل به الموت، وهو يقول جبلين من نار، جبلين من نار، قلت ما تقول؟ قال يا أبا يحيى، كان لي مكيالان أكيل بأحدهما وأكتال بالآخر، فقال مالك فقمت، فجعلت أضرب أحدهما بالآخر، فقال يا أبا يحيى، كلما ضربت أحدهما بالآخر ازداد الأمر عظما وشدة، فمات في مرضه، ولقد حكى ابن ظفر في كتاب النصائح له قال كان يونس بن عبيد، بزازا وكان لا يبيع في طرفي النهار ولا في يوم غيم، فأخذ يوما ميزانه فرضه بين حجرين فقيل له هلا أعطيته الصانع فأصلح فساده؟ فقال لو علمت فيه فسادا لما أبقيت من مالي قوت ليلة قيل له فلم كسرته؟
قال حضرت الساعة رجلا احتضر فقلت له قل لا إله إلا الله فامتعض فألححت عليه فقال ادع الله لي فقال هذا لسان الميزان على لساني يمنعني من قولها قلت أفما يمنعك إلا من قولها؟ فقال نعم قلت وما كان عملك به؟ قال ما أخذت ولا أعطيت به إلا حقا في علمي غير أني كنت أقيم المدة لا أفتقده ولا أختبره فكان يونس بعد ذلك يشترط على من يبايعه أن يأتي بميزان ويزن بيده وإلا لم يبايعه، فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم خيار من خيار، إلى نسبه يعود كل مخار، وهو من نكاح لا من سفاح، آباؤه سادات الناس، وأجداده رؤوس القبائل، جمعوا المكارم كابرا عن كابر، واستولى على معالي الأمور، فلن تجد في صفة عبد المطلب أجلّ منه، ولا في قرن هاشم أنبل منه، ولا في أتراب عبد مناف أكرم منه، ولا في رعيل قصيّ أعلى كعبا منه، وهكذا دواليك، حتى آدم عليه السلام، فهو صلى الله عليه وسلم سيد من سيد يروي المكارم أبا عن جد.