الدكروري يكتب عن رأس كل خير” جزء 3″


بقلم / محمـــد الدكـــروري

ومع هذا الصبر لابد من تقوى الله في أداء فرائضه وترك محارمه والوقوف عند حدوده والانكسار بين يديه والإيمان بأنه الناصر وأن النصر من عنده لا بكثرة الجنود ولا بكثرة العدة ولا بغير ذلك من أنواع الأسباب، وإنما النصر من عنده سبحانه وإنما جعل الأسباب لتطمين القلوب وتبشيرها بأسباب النصر، فإذا أراد المسلمون النصر والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة وتفريج الكروب وتيسير الأمور وغفران الذنوب وتكفير السيئات والفوز بالجنات إلى غير هذا من وجوه الخير فعليهم بتقوى الله عز وجل، والله وصف أهل الجنة بالتقوى فقال ” إن المتقين في جنات وعيون” وقال تعالي ” إن المتقين في جنات ونعيم” وقال تعالي ” إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم” فبين الله سبحانه وتعالي أنه أعد الجنة لأهل التقوى، فإننا جميعا في أشد الحاجة إلى أن نتقي الله عز وجل، فإذا اتقيناه سبحانه وتعالي حق التقوى فزنا بكل خير ونجونا من كل شر، وليس المعنى أنك لا تبتلى، بل قد تبتلى وتمتحن.

وقد ابتلي الرسل وهم أفضل الخلق وأفضل المتقين حتى يتبين للناس صبرهم وشكرهم وليقتدي بهم في ذلك، فبالابتلاء يتبين صبر العبد وشكره ونجاته وقوته في دين الله عز وجل، فالاختبار لابد منه، فالرسل وهم خير الناس امتحنوا بأعداء الله، فنبي الله نوح عليه السلام ما جرى عليه من قومه وهكذا هود وصالح عليهم السلام وغيرهم وعلى رأسهم نبينا الكريم محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وأفضل المجاهدين ورسول رب العالمين، صلي الله عليه وسلم قد علم ما أصابه بمكة وفي المدينة وفي الحروب، ولكنه صبر صبرا عظيما حتى أظهره الله على أعدائه وخصومه، ثم ختم له سبحانه وتعالى بأن فتح عليه مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، فلما أتم الله النعمة عليه وعلى أمته وأكمل لهم الدين اختاره إلى الرفيق الأعلى وإلى جواره عليه الصلاة والسلام بعد المحنة العظيمة والصبر العظيم والبلاء الشديد، فكيف يطمع أحد بعد ذلك أن يسلم أو يقول متى كنت متقيا أو مؤمنا فلا يصيبني شيء ليس الأمر.

كذلك بل لابد من الامتحان، ومن صبر حمد العاقبة، كما قال الله جل وعلا في سورة هود ” فاصبر إن العاقبة للمتقين” وكما قال في سورة طه ” والعاقبة للتقوي” فالعاقبة الحميدة لأهل التقوى، متى صبروا واحتسبوا وأخلصوا لله وجاهدوا أعداءه وجاهدوا هذه النفوس، فالعاقبة لهم في الدنيا والآخرة، كما قال الله عز وجل في سورة العنكبوت ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين” فإننا في أشد الحاجة إلى تقوى الله عز وجل ولزومها والاستقامة عليها ولو جرى ما جرى من الامتحان، ولو أصابك ما أصابك من الأذى أو الاستهزاء من أعداء الله، أو من الفسقة والمجرمين فلا تبالي، واذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام، واذكر أتباعهم بإحسان، فقد أوذوا واستهزئ بهم وسخر بهم ولكنهم صبروا فكانت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة، كذلك اصبر وصابر فإن قلت ما هي التقوى؟ فقد سبق لك شيء من بيانها، وقد تنوعت عبارات العلماء في التقوى.

وروي عن عمر بن عبدالعزيز أمير المؤمنين رضي الله عنه ورحمه أنه قال “ليس تقوى الله بقيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء فرائض الله وترك محارمه، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير” فمن رزق بعد أداء الفرائض وترك المحارم نشاطا في فعل النوافل وترك المكروهات والمشتبهات فهو خير إلى خير، وقال طلق بن حبيب التابعي المشهور رحمه الله “تقوى الله أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تدع معاصي الله على نور من الله تخاف عقاب الله” وقال بعضهم في تفسيرها التقوى طاعة الله ورسوله، وقال آخرون التقوى أن تجعل بينك وبين غضب الله وعقابه وقاية تقيك ذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، وكل هذه العبارات معانيها صحيحة، وإن من أكثر الكلمات ورودا في القرآن الكريم كلمة التقوى ومشتقاتها فيما يقرب من مائتان وأربعين موضعا، وهذا يدل على قيمة التقوى ومدى اهتمام القرآن الكريم بها.

لأن التقوى هي قطب رحى هذا الدين والأصل الذي قامت عليه أحكامه وتشريعاته بل إن تقوى الله عز وجل هى أصل كل دين أنزله ووصية كل نبي أرسله حيث قال الله تعالى كما جاء في سورة النساء ” ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله” والتقوي هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله عز وجل وقاية وهذه الوقاية إنما تكون بطاعة أوامره واجتناب نواهيه وقال ابن مسعود رضي الله عنه في بيان معنى التقوى عند تفسيره لقوله تعالى كما جاء في سورة آل عمران ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن وأنتم مسلمون” فقال أن يطاع فلا يُعصي، ويُذكر فلا يُنسى، ويشكر فلا يُكفر، وقد نوع القرآن الكريم في حديثه عن التقوي فمرة يأمر بالتقوي وأخرى يرغب فيها، ومرة يذكر أوصاف المتقين ومرة يذكر جزاءها والأجر المترتب عليها لذلك ينبغي علينا أن نتدبر هذه الآيات وأن نفهم معانيها، ونفتح قلوبنا وعقولنا لها حتى تستقر التقوى في قلوبنا وتترسخ في نفوسنا لأن مدار السعادة في تحقيقها وطريق الفوز والنجاة في التمسك بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.