الدكروري يكتب عن حرمة التعدي على أموال الأمة


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الأحد الموافق 31 ديسمبر

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، أما بعد إن نظام المال في الإسلام نظام فريد من نوعه فهو يحمي أفراده من عبث العابثين، ونهب الطامعين، وتعدي الظالمين، فشرع للملكية الخاصة حماية وحرمة وحدودا لا يجوز لأي مارق أن يتعداها أو يحوم حولها وإلا استحق الزجر والردع على ذلك، ولهذا كله حرم الإسلام كل طريقة تعدي على مال الآخرين، سواء كان ذلك بالاختلاس، أو الحرابة، أو السرقة، أو السطو، أو غير ذلك من الطرق التي حرمها الإسلام، وجعل الحدود زجرا وردعا للآخرين.

وعظَّم جريمة السرقة، فجعل عقوبتها القطع، ونهى عن الغصب والنهب والخيانة، ووبّخ من فعل ذلك، وجعل له عقوبة رادعة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه” مسلم، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه” ولحرمة المال شرع للإنسان الدفاع عن ماله من الاعتداء عليه بأية صورة من الصور السابقة، واعتبره شهيدا إن مات دفاعا عن ماله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال “فلا تعطه مالك” قال أرأيت إن قاتلني؟ قال ” قاتلة ” قال أرأيت إن قتلني؟

قال ” فأنت شهيد” قال أرأيت إن قتلته؟ قال ” هو في النار” رواه مسلم، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فال ” من قتل دون ماله فهو شهيد ” متفق عليه، وإذا كان الإسلام جعل لمال الإنسان الخاص حرمة وقداسة، فإنه لم يغفل عن حرمة المال العام، بل أعلى من شأن هذه الحرمة فجعلها أشد حرمة من المال الخاص، وعني عناية عظيمة بالمحافظة على أموال المسلمين، وأمر بصيانتها، وحرّم التعدي عليها، وقرنت الأموال بالأنفس في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فأمر بالجهاد بالأموال والأنفس في سبيل الله، ونظم الأموال تنظيما سليما، فجعل في المال زكاة حقا معلوما للفقراء والمساكين وغيرهم ممن ذكروا في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.

وجعل فيها حقوقا معينة معلومة، وحرّم التعدي على أموال الأمة بغير حق، ولو كان شيئا يسيرا، ومن هذه الصور هو منع جر المنافع بسبب صلة القربى به فعن أسلم قال خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، وقال لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال بلى، ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، وأسلفكما، فتبيعان به متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح، ففعلا، وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال فلما قدما على عمر قال أكلَّ الجيش أسلف كما أسلفكما؟ فقالا لا، فقال عمر أدّيا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت.

وأما عبيد الله فقال ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه، فقال أديا المال، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا أي شركة، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال، قالوا هو أول قراض في الإسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.