بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر الكثير عن الإمام الكوثري وهو محمد زاهد بن حسن الحلمي الكوثري، وقد تحدث عنه كتاب ذيل الروضتين للحافظ أبي شامة، وفهارس البخاري لفضيلة الأستاذ الشيخ رضوان محمد رضوان، وإشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان لكمال الدين البياضي، وكشف الستر عن فرضية الوتر لعبد الغني النابلسي، والعالم والمتعلم لأبي بكر الوراق الترمذي، والأعلام الشرقية للأستاذ زكي مجاهد، وانتقاد المغني عن الحفظ والكتاب للأستاذ حسام الدين القدسي، والنهضة الإصلاحية للأسرة الإسلامية للأستاذ مصطفى الحمامي، ومنتهى آمال الخطباء له أيضا، وبراهين الكتاب والسنة للعلامة العارف بالله الشيخ سلامة العزامي، وقانون التأويل لحجة الإسلام الغزالي.
والثمرة البهية للصحابة البدرية لمحمد سالم الحفناوي، وكتاب بغداد لابن طيفور، وفتاوى تقي الدين السبكي، وإيضاح الكلام فيما جرى للعز بن عبد السلام، وتاريخ القوقاز، ودفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد للتقي الحصني، وتعليقه على مادة الجركس في تعريب دائرة المعارف الإسلامية، وقال عنه محمد أبو زهرة لا أعرف عالما مات فخلا مكانه في هذه السنين كما خلا مكان الإمام الكوثري، لأنه بقية السلف الصالح الذين لم يجعلوا العلم مرتزقا ولا سلما لغاية، وورد عن أبي زهرة في وصفه ما يبيّن معرفته بالرجال ومنازلهم، اخترنا في هذا المقام نتفا من تلك الخلال التي وصفه بها إنه تحقق فيه القول المأثور العلماء ورثة الأنبياء، وما كان يرى تلك الوراثة شرفا يفتخر به ويتسلط به على الناس.
بل كان يراه جهادا في إعلان الإسلام وبيان حقائقه وإزالة الأوهام التي لحقت جوهره، ويؤكد هذا المعنى، قوله أيضا لم يكن الكوثري من المنتحلين لمذهب جديد أو داعيا إلى مذهب لم يُسبق إليه، لهذا كان ينفر ممن يسميهم العامة وأشباه المثقفين بسمة التجديد، ومع ذلك فقد كان من المجددين بالمعنى الحقيقي للتجديد والذي هو إعادة رونق الدين وجماله وإزالة ما علق به من الأوهام، وإنه لمن التجديد أن تحيا السنة وتموت البدعة ويقوم بين الناس عمود الدين، لقد كان عالما حقا، وقد عرف العلماء علمه وقليل منهم من أدرك جهاده، ولقد عرفته سنين قبل أن ألقاه، عرفته في كتاباته التي يشرق فيها نور الحق، وعرفته في تعليقاته على المخطوطات التي قام على نشرها وما كان عجبي من المخطوط.
بقدر إعجابي بتعليق من علق عليه، إنه لم يرض بالدنية في دينه، ولا يأخذ من يذل الإسلام وأهله بهوادة، ولا يجعل لغير الله والحق عنده إرادة، وإنه لا يعيش في أرض لا يستطيع فيها أن ينطق بالحق ولا تتعالى فيها كلمة الإسلام، لهذا يتباهى الإمام أبو زهرة بذكر الكوثري له في بعض مؤلفاته، حيث يقول معلقا على ذكره له وما كنت أحسب أن لي في نفس ذلك العالم الجليل مثل ما له في نفسي، حتى قرأت كتابه حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي فوجدته رضي الله عنه قد خصّني عند الكلام على الحيل المنسوبة لأبي يوسف بكلمة خير وأشهد أني سمعت ثناء من كبراء وعلماء فما اعتززت بثناء كما اعتززت بثناء ذلك الشيخ الجليل، لأنه وسام علمي ممن يملك إعطاء الوسام العلمي.
وهذه شهادة ثقة يحق لنا أن نباهي بها ونقدمها بل ونجعلها العمدة في معرفة منزلة الشيخ محمد زاهد الكوثري، إنها شهادة عالم متبحر شهد له الداني والقاصي بسعة الاطلاع ورحابة الصدر والبعد عن التعصّب المقيت.