بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن للأسرة وظائف كثيرة ودور كبير في المجتمع ومن أهم هذه الوظائف هي الوظيفة الثقافية حيث تتمثل الوظيفة الثقافية للأسرة في نقل التراث الحضاري، حيث تظل الأسرة المجال الذي يتعلم فيه الطفل الأساليب العامة للحياة والأعراف والأنماط السلوكية السائدة في المجتمع، وكلما كانت الأسرة متعلمة ساعدتها خبرتها ووعيها، وعلمها على تحقيق هذه الوظيفة الثقافية بشكل متكامل حيث تنتقي الطيب من التراث وتنقله، ولا تنقل البالي والضار من التراث مثل الثأر والسحر وغير ذلك من الأمور، وهناك أيضا الوظيفة النفسية، وهي الوظيفة التي تبث في أفراد الأسرة الراحة النفسية والإحساس بالأمان والاستقرار الاجتماعي، بالتالي يصبحون ذوي شخصيات مُتزنة، وذلك من خلال إعطاء الأبناء الاحترام والتقدير وتنمية الثقة بالنفس في داخلهم.
كما تعزز من قيمتهم داخل الأسرة مما يجعلهم أشخاصا ناجحين متفوقين، وتعتبر مرحلة المراهقة من أهم المراحل التي يتم فيها إرساء قواعد البناء النفسي والوجداني، وللآباء في هذه المرحلة الأثرالأكبر في تشكيل تلك النفسية من خلال توجيهاتهم وأساليبهم في التواصل مع أبنائهم، كما يمكن للأسرة أن تكسب أبناءها الشخصية السوية، وذلك عندما يحاطون بجو من الثقة والاهتمام والحب داخل الأسرة، وهناك أيضا الوظيفة الإبداعية حيث يقصد بذلك قيام الأسرة بتكوين الذوق الجمالي للطفل، وتنمية الحس الإبداعي لديه، فالطفل الذي يعيش في أسرة ذات منزل مرتب متناسق نظيف يتعلم تقدير الجمال، وإدراك التناسق والتناغم، وينشأ مُحبا للنظام والترتيب، على خلاف الطفل الذي يعيش في منزل تسوده الفوضى ويعمه الاضطراب، فمثل هذا المنزل ينعكس في سلوك الطفل قلقا وعدم استقرار، وفقدان تركيز، وسوء اتزان.
وهناك أيضا الوظيفة العاطفية ويُقصد بها التفاعل المتعمق بين جميع أفراد الأسرة في ظل مشاعر العاطفة بين الوالدين والأطفال، عندما يعملون جميعا من أجل مصلحة الحياة الأسرية، وحفاظا على كيانها ووحدتها، وهذه الوظيفة تحدد الملامح الرئيسية المميزة للأسرة الحديثة، وكما أن هناك وظيفة الحماية، حيث تحمي الأسرة أفرادها من الاعتداءات الخارجية التي قد تقع عليهم من الأسر الأخرى في المجتمع المحلي، كما أنها تحميهم جميعا وتزوّدهم بكل ما يحتاجونه من عون مادي ومعنوي، بل أن حماية الأسرة لأفرادها تمتد حتى بعد زواجهم وانفصالهم عن الأسرة الأصلية، وتتمثل هذه الحماية في تقديم الدعم المالي والمعنوي، وتتكون الأسرة من الزوجين والأولاد، وحياة الأسرة فيها كثير من الأمور التي يجب أن تستر وتحجب عن الآخرين.
كما توجد أمور خاصة بين الزوجين يجب ألا يطلع عليها الأبناء، وقد أكد الإسلام على ذلك حفاظا على كرامة الأسرة وهيبتها وحقوقها في المجتمع المسلم، ولا يجوز التدخل في شؤون الأسرة وإعلان أمورها الخاصة إلا عند الحاجة أو الضرورة، وإن العلة الموجبة للإذن، وهي الخلوة في حال العورة، فتعين امتثاله، ثم رفع الجناح بعدهن في ذلك للطوافين في الخدمة، وما لا غنى بكم عنه منهم، فسقط الحرج عن ذلك وزال المانع، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال “لا، بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له” فنزل قول الله تعالى فى سورة التحريم ” يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك”
إلى قوله تعالى ” إن تتوبا إلى الله” للسيدة عائشة والسيدة حفصة رضى الله عنهن، ويقول تعالى ” وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه” وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم “بل شربت عسلا” وقد طلق صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين حفصة طلاقا رجعيا عقوبة لها على إفشاء السر، وراجعها بناء على تكليف الله تعالى له بذلك لكثرة طاعتها لله تعالى، وأخبره أنها إحدى زوجاته في الجنة، والمغافير رائحة تظهر في العسل لأن النحل كان يتغذى من شجر العرفط، الذي صمغه المغافير، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل، ويشتد عليه أن يوجد منه ريح خبيثة، والمغافير ريحها فيه شيء ولهذا حرّم على نفسه العسل، فنزلت سورة التحريم، وهنا تظهر عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم في تحريمه أحب الطعام لديه حتى تبقى رائحته طيبة، ولا يؤذي زوجاته، وهذه قمة الإيثار.