بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم الأربعاء الموافق 8 نوفمبر 2023
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، أما بعد إنه ﻳﻨﺒﻐﻲ للإنسان ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ ﻹﺧﻮﺍﻧﻪ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ، ﻭﻟﻜﻦ أحيانا ﻳﻜﻮﻥ الإﻧﺬﺍﺭ خيرا لأﺧﻴﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ، ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺧﻮﻙ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﻔﺮﻳﻂ ﻓﻲ ﻭﺍﺟﺐ، ﺃﻭ ﺍﻧﺘﻬﺎﻙ ﻟﻤﺤﺮﻡ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺃﻥ ﺗﻨﺬﺭﻩ ﻭﺗﺨﻮﻓﻪ، ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻐﻠﺐ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺒﺸﺮى، ﻓﻠﻮ ﺟﺎﺀﻙ ﺭﺟﻞ مثلا ﻭﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﺃﺳﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻓﻌﻞ ﻣﻌﺎﺻﻲ ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﻭﺳﺄﻝ ﻫﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﺑﺔ؟ ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻝ ﻧﻌﻢ ﺃﺑﺸﺮ، ﺇﺫﺍ ﺗﺒﺖ ﺗﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻚ، ﻓﺘﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ، ﻭﺗﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ الأﻣﻞ ﺣﺘﻰ لا ييئس ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، وﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلي الله عليه وسلم.
ﻗﺎﻝ ” ﺳﺪﺩﻭﺍ ﻭﻗﺎﺭﺑﻮﺍ ﻭأﺑﺸﺮﻭﺍ ﻭﺍﺳﺘﻌﻴﻨﻮﺍ ﺑﺎﻟﻐﺪﻭﺓ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺔ ﻭﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻟﺠﺔ” ﻳﻌﻨﻲ ﺍﺳﺘﻌﻴﻨﻮﺍ ﻓﻲ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺃﻭﻟﻪ ﻭﺁﺧﺮﻩ، ﻭﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﺎﻟﺮﺳﻮﻝ صلي الله عليه وسلم ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺃلا ﻧﺠﻌﻞ ﺃﻭﻗﺎﺗﻨﺎ ﻛﻠﻬﺎ دأبا ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ لأﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻠﻞ ﻭﺍلاﺳﺘﺤﺴﺎﺭ ﻭﺍﻟﺘﻌﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، والله أعلم، وكما ينبغي علينا جميعا حب الوطن والدفاع عنه، فالوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد، وقد قال الغزالي ” والبشر يألفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفرا مستوحشا، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتقص” ويروى أنه عندما تقدم نابليون نحو الأراضي الروسية بقصد احتلالها.
صادف فلاحا يعمل بمنجله في أحد الحقول، فسأله عن أقرب الطرق المؤدية إلى إحدى البلدان بعد أن أعلن له عن شخصيته، فقال له الفلاح ساخرا ” ومن نابليون هذا ؟ إنني لا أعرفه” فقال نابليون غاضبا سوف أجعلك تعرف من أنا، ثم نادى أحد الضباط وأمره بأن يسخن قطعة من المعدن على هيئة حرف “N” الذي يبدأ به اسم نابليون حتى درجة الاحمرار ثم يلصقها بذراعه اليسرى، وبعد أن تم لنابليون ما أراد، هوى الفلاح بالمنجل على ذراعه من عند الرسغ وقطعها، وقال لنابليون والدم ينزف منه “خير لي أن أموت أو أحيا بذراع واحدة من أن أعيش بجسم تلوث بالحرف الأول من اسمك، إنني وما أملك لبلادي ” ذهل نابليون من رد فعل هذا الفلاح، فصاح في جنوده أن يحضروا الزيت، ويقوموا بغليه.
ويغمروا البقية الباقية من يده فيه، لإيقاف النزيف، قائلا لهم ” حرام أن يموت رجل يملك هذه الشجاعة وهذه الوطنية ” لكنهم إلى أن أحضروا الزيت وقاموا بغليه كان الفلاح قد نزف دما كثيرا، وما هي إلا دقائق حتى لفظ أنفاسه، وحزن نابليون عليه حزنا شديدا لدرجة أنه أمر بحفر قبر له يدفن فيه، ومكث في المكان نفسه عدة أيام، وقبل أن يغادر وضع قبعته الشخصية على القبر وتركها تكريما وتقديرا لذلك الفلاح الجريء، وأمر قواته بأن تتجاوز تلك القرية ولا تدخلها أبدا، فأين نحن من تضحياتنا لوطننا؟