بقلم/ محمـــد الدكـــروري
وقيل كان ذلك بسبب نصرتهم للإمام علي, ورغم أنهم كلموه وسألوه بالله أن يعطيها إياهم، ولكنه أبى أن يفعل، ولقد كان النعمان يمد بطرفه إلى الشام ويترقب مصير معاوية ويتخيل نفسه في أي موضع سيكون وما سيؤول إليه مصيره عندما يتولى يزيد الخلافة, ولم يكن تجاهله عن لين وعاطفة بقدر ما كان هدنة وترقبا للأحداث وما سيؤول إليه مصير الأمة, وهو بذلك أوجد له مكانا في حال نجاح حركة مسلم وانقلاب الكوفة عليه فإنه سيلوذ بصهره المختار وهو أحد رؤوس حركة مسلم بن عقيل رضى الله عنه، أو لعله سيجد فيه معينا فقد كانت رغبته وأطماعه لنيل الخلافة تزداد يوما بعد يوم وقد ذكر كل من تحدث عن سيرته من المؤرخين، قديما وحديثا،عن حرصه وسعيه للوصول إلى الخلافة بشتى الوسائل.
وكان معاوية، يعلم ما في نفس النعمان من طمع، وهذا من أهم الأسباب التي دفعته إلى إبعاده عن الشام عندما أحس بدنو أجله، وقد مات النعمان وهو يسعى للحصول على كرسي الحكم، ولقد كان الكوفيين يعرفون النعمان جيدا منذ أن حمل معه أصابع نائلة بنت الفرافصة المبتورة وقميص زوجها الخليفة عثمان بن عفان إلى الشام للثأر من قتلة عثمان، وكما كان سلوكه مع حركة مسلم مثار استنكار الأمويين وأتباعهم في الكوفة حيث طالبوه باتخاذ موقف يوضح فيه موقفه من الأحداث ويعلن فيه ولاءه ليزيد ولما ألحوا عليه قال ما كنت لأهتك سترا ستره الله، فقيل إنه بدلا من أن يوضح موقفه حول الأحداث بولائه ليزيد فقد قال هذا الكلام المبهم الذي لا يؤيد أحد الفريقين, إذ تأكد كل من سمع كلامه أنه ينوي الخروج عن طاعة يزيد.
وإن وراءه أمر ما ؟ وهل هذا الأمر غير الخلافة ؟ ولكي يظهر للناس إنه لا زال أميرا ذا نفوذ على الناس رغم خروجه عن طاعة يزيد ويمتلك السلطة الفعلية على أرض الواقع في الكوفة كان لزاما عليه أن يمارس دوره كحاكم ويخطب بالناس فصعد المنبر، وقال ” اتقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فإن فيهما يهلك الرجال وتسفك الدماء وتغصب الأموال، إنني لم أقاتل من لم يقاتلني ولا أثب على من لا يثب علي، ولا أشاتمكم ولا أتحرش بكم ولا آخذ بالقرف ولا الظنة ولا التهمة ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن منكم ناصر، أما أني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل”
ولكن هذا الخطاب لم يكن ليُرضي أتباع الأمويين الذين استضعفوه وشكوا في ولائه فهو لم يتطرق بل لم يشر ولو إشارة إلى أعظم حدث يجري في الكوفة يهدد السلطة الأموية وهو حركة مسلم بن عقيل مما يؤكد خروجه عن طاعة يزيد والعمل على طلب الخلافة لنفسه فقوله ” ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم” يعني نفسه لا غير.