الدكروري يكتب عن المطالبة بإقامة الحد علي قتلة عثمان


بقلم/ محمـــد الدكـــروري

لقد كان موقف معاوية بن أبى سفيان الرافض لم يكن الشاغل الوحيد للخليفة، إذ نمت في أواسط بعض الصحابة أن لإمام علي بن أبى طالب يتهاون في معاقبة قتلة الخليفة عثمان بن عفان، فقد ذهب كل من طلحة والزبير مع نفر من أهل المدينة المنورة إليه بعد أربعة أشهر من مقتل عثمان بن عفان وطلبوا منه إقامة الحد على القتلة، فاعتذر إليهم بأن القتلة لهم مدد وأعوان وأن الوقت لم يحن لذلك بعد، فالأولوية هي تهدئة الأجواء والنفوس واستقرار الأوضاع، ويبدو أنهما لم يقتنعا بوجهة نظره، فخرجا إلى مكة لأداء العمرة، وهناك لقيا السيدة عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت تندد بمقتل الخليفة عثمان بن عفان ولا تطيق رؤية المدينة، وقد وقعت تحت سلطة غوغاء الأمصار وبدو نهَّابين وعبيد آبقين الذين سفكوا الدم الحرام.

واستحلوا البلد الحرام، وأخذوا المال الحرام، واستحلوا الشهر الحرام وأن الأمر لن يستقيم طالما لهذه الغوغاء أمر، فلا بد من المطالبة بدم الخليفة عثمان بن عفان وسرعان ما استقطبت دعوة السيدة عائشة رضى الله عنها كل الذين كانوا يعارضون مقتل عثمان بن عفان أو يحاولون إسقاط الإمام علي بن أبي طالب، وبخاصة أفراد الأسرة الأموية، فانضم إليها الكثيرون وساروا إلى المدينة المنورة، وهناك رفض بعض الصحابة وباقي أمهات المؤمنين السير معها أبعد من ذلك، فخرج الثائرون بعدد كبير من الجنود إلى البصرة لإنزال العقاب بالقتلة هناك أولا، فتمكنوا من السيطرة على المدينة وهزيمة عاملها، في ذلك الحين كان الإمام علي بن أبى طالب قد قرر الخروج نهائيا من المدينة المنورة وجعل الكوفة مقرا له، فهي في نظره مستقر أعلام ورجال العرب.

وقد اتخذ هذا القرار من واقع استحالة البقاء في الحجاز الذي أفرغته الفتوح من طاقاته البشرية والاقتصادية، وانتقال محاور الصراع الأساسية إلى مناطق الأطراف البعيدة عنه، فخرج من المدينة في الأيام الأخيرة من شهر ربيع الثاني عام ستة وثلاثون من الهجرة وما أن بلغ الإمام علي بن أبى طالب ومن معه من الصحابة الرُبذة حتى بلغته تفاصيل ما جرى في البصرة، فسار بسرعة حتى بلغ موضع ذي قار حيث انضم إليه الآلاف من أهل الكوفة، وقد حاول الإمام علي بن أبى طالب حقن الدماء ودعا إلى الصلح، حتى لا يقاتل المسلمون بعضهم بعضا، فاقتنع الزبير وانسحب من المواجهة ومضى نحو البصرة بقصد العودة إلى الحجاز، لكنه قتل غدرا بوادي السباع، ووقعت المعركة بين التيارين الهاشمي والعثماني في آخر شهر جمادى الآخرة.

سنة ستة وثلاثون من الهجرة وانتهت بانتصار الإمام علي بن أبي طالب في يوم واحد، ثم أعطى الإمام علي بن أبى طالب أمره إلى محمد بن أبي بكر بأن يوصل اخته السيدة عائشة رضى الله عنها إلى المدينة المنورة بعد أن جهزها بالزاد والمتاع وسيَّر معها سبعين امرأة من عبد القيس في ثياب الرجال، وقيل أربعين امرأة، وكان طلحة قد أصيب بسهم في المعركة، فاعتزل القتال ثم توفي جراء النزيف، ودخل الإمام علي البصرة بعد المعركة حيث بايعه البصريون طائعين، وبعد ذلك كان على ألإمام على بن أبى طالب أن يُدخل معاوية بن أبي سفيان في الطاعة مُجددا، وظل يأمل بحصول ذلك سلميا وأن يستقطب معاوية باللين ويُجنب المسلمين مزيدا من إراقة الدماء، فأرسل إليه رسولا من الكوفة هو جُرير بن عبد الله البجلي ليدعوه إلى الجماعة ويحمله على البيعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.