بقلم / محمـــد الدكـــروري
هذا هو رسول الله صلي الله عليه وسلم تستوقفه المرأة العجوز في الطريق، فيستمع لها وييسّر لها حاجتها، ويسعد أن يجالس الفقراء والمساكين، وكان يجلس مع أصحابه مختلطًا بهم، فحيث انتهى به المجلس جلَس، ويقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ” لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله” فنقف جميعا وقفة صغيرة أمام حديقة أخلاق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الغنَّاء الوارفة الظلال، الواسعة الأرجاء، نشعر أننا جد عاجزين عن الإحاطة بهذا البحر الخضم، فلقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى في كل خُلق كريم بما لا يبلغ الوصف منتهاه، فكان صلى الله عليه وسلم جمّ التواضع، حليما، شجاعا، كريما، عدلا، حكيما.
إلى غير ذلك مما لا حدود له، ولقد بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين، وعند بعثته صلى الله عليه وسلم فقد تشاور رؤساء قريش فيما بينهم وفكروا في كل جوانب القضية، ودرسوا كل المواقف بروية وتريث، ثم اجتمعوا يوما عند ظهر الكعبة بعد غروب الشمس، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعونه، فجاء مسرعا يرجو خيرا، فلما جلس إليهم ساوموه وعرضوا عليه الملك والجاه والمال والعلاج مما ظنوه به من جنون، فرفض صلى الله عليه و سلم، مساوماتهم، ودعاهم إلى إله بكل ثبات وأخبرهم أنه عبد رسول من الله لهم يحذرهم من عذابه و يبشر من أجاب بالنعيم المقيم، فانتقلوا إلى نقطة أخرى، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يسير عنهم الجبال، ويبسط لهم البلاد، ويفجر فيها الأنهار.
ويحيى لهم الموتى ولا سيما قصي بن كلاب فإن صدقوه يؤمنون به، فأجاب بنفس ما سبق من الجواب، فانتقلوا إلى نقطة ثالثة، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يبعث له ملكا يصدقه، ويراجعونه فيه، وأن يجعل له جنات وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة، فأجابهم بنفس الجواب، فانتقلوا إلى نقطة رابعة، وطلبوا منه العذاب أن يسقط عليهم السماء كسفا، كما يقول ويتوعد، فقال “ذلك إلى الله، إن شاء فعل” فقالوا أما علم ربك أنا سنجلس معك، ونسألك ونطلب منك، حتى يعلمك ما تراجعنا به، وما هو صانع بنا إذا لم نقبل، وأخيرا هددوه أشد التهديد، وقالوا أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرف إلى أهله حزينا أسفا لما فاته ما طمع من قومه.
ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم خاطبهم أبو جهل في كبريائه وقال يا معشر قريش، إن محمدا قد أبي إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وأني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، قالوا والله لا نسلمك لشيء أبدا، فامضي لما تريد، فلما أصبح أبو جهل، أخذ حجرا كما وصف، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو، فقام يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه.
حتى إذا دنا منه رجع منهزما ممتقعا لونه، مرعوبا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا له ما لك يا أبا الحكم؟ قال قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لى دونه فحل من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هامته، ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهمّ بى أن يأكلنى، فقال ابن إسحاق فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه”