الدكروري يكتب عن القلب الذى يوقن ويؤمن بالله


بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم الجمعة 24 نوفمبر

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، لو لم يكن للإنسان منا آمال وأحلام يطمع ويطمح لتحقيقها أثناء حياته، أشبه ما تكون بدوافع تدفعه إلى الأخذ بالأسباب، والجد والاجتهاد في الحياة، لو لم يكن كذلك لأصيب الناس بالجمود وتعطلت مصالح البلاد والعباد، فبدون الأمل تمرض النفوس وتشقى الأرواح، فالأمل للنفس هو بمثابة الماء للجسد، فكما يهلك الجسد إذا حرم الماء، كذلك تشقى وتتحطم النفس إذا غاب عنها الأمل والتفاؤل، ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نجد ونجتهد من أجل أن نحظى بمغفرته ورضوانه في الآخرة.

وفى نفس الوقت، أمرنا أن لا نهمل ونقصر في حياتنا الدنيا، وأن العاقل من الناس هو من يوازن بين العمل من أجل الآخرة والعمل في حياتنا الدنيا، وإن التمسك بالأمل خاصة وقت المحن والبلايا لا يكون إلا من قلب عامر بالإيمان بالله تعالى، فهو قلب رغم ما يعانيه من ضيق وشدة وألم، فأمله ورجاؤه وظنه في الله لا يخيب، فهو يعلم يقينا أن الشمس ستشرق لا محالة مهما طالت ظلمة الليل، إنه قلب يؤمن بأن الله على كل شيء قدير، نعم إنه ذلكم القلب الذى يوقن ويؤمن بالله تعالي، وإن الإنسان الذي يتمسك بالأمل لهو إنسان على إيمان ومعرفة قوية بالله، فهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى مهيمن على الكون بما فيه، الكون كله في قبضته، يصرفه كيف يشاء، سبحانه يخرج من الأحجار أنهارا، وجعل من الشجر الأخضر نارا سبحانه وتعالي.

ومن هذا المنطلق أعلنها القرآن الكريم بكل صراحة في أكثر من موضع بين فيه أن اليأس والقنوط يتنافى تماما مع الإيمان الحقيقي بالله جل وعلا، وهكذا فإن المؤمن دائما متسلح بالأمل والتفاؤل والصبر والعمل والأخذ بالأسباب، وعن أبي مسعود الأنصارى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب أى ثمن بيعه، ومهر البغى، وهو ما تعطى على الزنا، وحُلوان الكاهن وهو ما يعطى على تكهنه” رواه البخارى ومسلم، ومن هذا القبيل، الغبن الفاحش في البيع والشراء، بأن يزيد في ثمن السلعة زيادة فاحشة، مصحوبة بتزيين المغشوش، والكذب في وصفه وتحديد تاريخه، كما يفعل ببعض الناس، وكل ذلك غش ومكر وخديعة، والرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من ذلك ويقول”من غشنا فليس منا، والمكر والخديعة في النار” رواه الطبرانى.

ولقد تفطن السلف الصالح لخطورة هذا الأمر، وبلغ بهم الورع إلى ترك الحلال أحيانا مخافة الوقوع في الحرام، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه “كنا ندع تسعة أعشار الحلال، مخافة أن نقع في الحرام” ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما “لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، لم يُقبل ذلك منكم إلا بورع حاجز أى مانع” ويقول ابن المبارك “لأن أردّ درهما من شُبهة، أحب إليّ من أن أتصدق بمائة ألف” ويقول يحيى بن معاذ رحمه الله “الطاعة خزانة من خزائن الله، إلا أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لقم الحلال” ومما رواه البخارى في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان لأبى بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه.

فجاء يوما بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقينى فأعطانى بذلك، فهذا الذى أكلت منه، فأدخل أبو بكر رضى الله عنه يده، فقاء كل شيء في بطنه”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.