بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد علمنا الإسلام ووضح لنا أن السعادة الحقيقية هو أن ينظر الإنسان إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو أعلى منه في الرزق والصحة وغيرها، فبهذه النظرة يرى أنه يفوق كثيرا من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله تعالي عليه، وإن أمر المؤمن كله له خير وليست الأحداث المحزنة تقعدنا عن العمل الجاد المثمر، أو تدفعنا للجلوس في مآتم جنونية، تسحق فيها العقول، وتهدر فيها كرامة المسلم، وتشوه فيها سمعة الإسلام، ولقد جعل الله في تصرم الأيام والليالي عبرة وآية لكل معتبر وأودع في أيام العام ولياليه خيرا كثيرا لمن تلمسها، وخلق كل شيء فقدره تقديرا، جل في علاه من إلاه عليم خبير.
ولقد شاء الله تعالى أن ينقل عباده بين مواسم طاعاته، ويفتح لهم أبواب فضله، وأغدق عليهم بآلائه ومننه، وأن الحج يشكل مؤتمرا حضاريا تجتمع له الملايين، فالحضارة إنما تتحقق باتصال الشعوب بعضها ببعض، فتقتبس من بعضها الرقي والنمو في المعرفة والسلوك والعلم والصناعة والتجارة وغيرها، وذاك ما يحدث أثناء تأدية فريضة الحج، فما هو المردود النفسي والاجتماعي والأثر الذي يحدثه هذا النسك العظيم على نفوسنا وسلوكنا وحياتنا؟ وهو إن الالتقاء الذي يحدث بين المسلمين على اختلاف مشاربهم وأجناسهم ولغاتهم أثناء تأدية شعيرة الحج كفيل بمعالجة مشاكل المسلمين وتدارس قضاياهم العظيمة من قبيل السلم الاجتماعي، وإرساء دعائم الأخوة الإيمانية.
وتكريس مبدأ السلم العالمي، والتعاون الدولي، وحفظ الحقوق، وتنمية الروح الجماعية، وصفاء القلوب، وإبعاد كيد النفس الأمارة بين الناس، وكيد الشيطان في العلاقات داخل الأسر وفي المجتمعات، ومن تأمل الحج ومشاعره التي جعلها الله تعالى محلا لمناسكه وتعظيم شعائره، بان له أن رحلة الحج رحلة مصغرة لحياة الإنسان في الدنيا، وأن الإنسان في الحياة الدنيا يسير كما يسير الحاج منذ أن يتلبس بنسكه إلى أن ينتهي منه، وقد حذر الله عز وجل بني آدم من الدنيا، وبيّن أنها متاع الغرور، فقال تعالى ” وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” وهو متاع قليل زائل، فكذلك الحج يكون في أيام معدودة ثم تنتهي فقال تعالى ” واذكروا الله فى أيام معدودات” لكن كثيرا من الناس ينسون ويغفلون ولا يشعرون.
بسرعة انتهاء الدنيا فأملهم فيها طويل، وإن للحج أيام، وفي أيامه أعمال، ففي أوله الإحرام، ثم الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ثم الانتقال في اليوم الثامن إلى مِنى، والمبيت بها ليلة التاسع، والمسير إلى عرفة في صُبحها، والوقوف بها إلى مغيب الشمس، ثم المبيت بمزدلفة ليلة النحر، والرمي والحلق والنحر، والتحلل والطواف بالبيت يوم العيد، ثم العودة إلى مِنى للمبيت بها ورمي الجمار، إلى أن يودع البيت بالطواف في آخر حجه، وكل هذه التنقلات الزمانية والمكانية في الحج تذكر المؤمن بانتقاله من زمن إلى زمن في مرضاة الله تعالى ومن طاعة إلى طاعة.