بقلم / محمـــد الدكـــروري
السبت الموافق 22 يونية 2024
الحمد لله بلطفه تنكشف الشدائد وبصدق التوكل عليه يندفع كيد كل كائد، ويتقى شر كل حاسد، أحمده سبحانه وأشكره على جميع العوائد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له في كل شيء آية تدل على أنه الأحد الواحد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، جاء بالحق، وأقام الحجة على كل معاند صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه السادة الأماجد والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد إنه في ظل تعاليم الإسلام السمحة وحضارته الوارفة وترغيبه في طلب العلم وتكريمه للعلماء نبغ المسلمون في العلوم كلها والتمسوا المعرفة من الشرق والغرب فترجموا كتب العلوم الفارسية واليونانية وغيرها وشجع الخلفاء على هذه الحركة العلمية حتى كان الخليفة المتوكل يعطي حنين بن إسحاق أشهر المترجمين وزن ما يترجمه ذهبا.
ولم يقتصر المسلمون على الترجمة، بل تابعوا البحث والدراسة، والتعديل والتطوير حتى ابتكروا وطوروا وسبقوا غيرهم، ففي ظل إدراك المسلمين لحقيقة العلم وقيمته برز أبو بكر الرازي أول من عمل عملية إزالة الماء من العين وظهر ابن سينا الذي كان كتابه الطبي القانون يدرس في جامعتي كمبردج، وأكسفورد وغيرهما من مشاهير الأطباء كثيرون، وبرع جابر بن حيان في علم الجبر، واكتشف كثيرا من أسرار الكيمياء، وسبر العرب علم الفلك، فكانوا أول بناة للمراصد الفلكية في العالم، وأول صانعي المناظير وهي التليسكوبات فضلا عن تقدمهم في فنون الهندسة المختلفة، ومحاولة الطيران في السماء التي كان أول من فكر فيها عباس بن فرناس، وإن العلم الذي تنهض به أمتنا هو كل علم نافع، سواء كان من علوم الشريعة أو من علوم الطبيعة.
وأقصد كل العلوم التي يحتاجها الناس في حياتهم كالطب والهندسة والزراعة والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الفيزياء وعلم الإحصاء وسائر العلوم التي تعد من المقومات الأساسية للنهضة الحضارية العلوم التي توجه الإنسان وتأخذ بيده وتيسر له القيام بمهمته في الوجود، ولقد تحدث العلماء عن فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين وإذا لم يقم بها أحد أثم كل قادر على القيام بها ومن هذه الفروض تعلم العلوم التي تستغني بها الأمة عن أعدائها وتدافع بها عن كيانها فكل قوة يستطيع المسلمون إعدادها ثم يقصّرون فإنهم آثمون والعلوم الحديثة بكل جوانبها واجبة على الأمة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وكل ما يحتاج إليه المسلمون من العلوم ليحقق لهم التفوق على غيرهم ولتكون لهم القوة على عدوهم فهو فرض كفائي عليهم تأثم الأمة إذا فرطت فيه.
وحين نتأمل في موقف الإسلام من العلم نجد ترابطا وثيقا بين العلم والإيمان فكلما إزداد الإنسان علما كلما إزداد يقينا ومعرفة وخشية لله عز وجل، فإن العلماء هم أشد الناس خشية له ومعرفة بمقامه، فالعلم يهدى إلى الإيمان ويقوي دعائمه والإيمان يدعو إلى العلم ويرغّب فيه وهذه العلاقة الوثيقة لا نجدها في غير الإسلام ويقول روجيه جارودي “ولم يفصل الإسلام الحكمة عن العلم ولم يقبل معالجة أي فرع من فروع العلم بمعزل عن العقيدة التي هي هدف في ذاتها” ولكي ترقى الأمم وتتقدم فلا بد لها من الإيمان والعلم معا، أما العلم وحده ” فقد يرفع أمة حتى تعانق السماء رفاهية ورغدا ولكنها سرعان ما تتداعى مثلما تتساقط أوراق الخريف التي تعصف بها الرياح “
وكم من أمة غنية قوية ولكنها تعيش على شقوة مهددة في أمتها مقطعة الأواصر بينها يسود الناس فيها القلق ويظهر الانحلال، فهي قوة بلا أمن ومتاع بلا رضا وحاضر زاهي يترقبه مستقبل نكد، إنه الإبتلاء الذي يعقبه النكال “