بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، والصلاة والسلام على محمد سيد البشر، الشفيع المشفع فى المحشر، صلى الله وسلم وبارك عليه ما اتصلت عين بنظر او سمعت اذن بخبر، فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما تشريفا لقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيما ” إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم تسليما” فاللهم صلي وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وبعد لقد وقف رسول الله صلي الله عليه وسلم فى حجة الوداع بمنى، فجاءه رجل فقال لم أشعر حلقت قبل أن أذبح، فقال “اذبح ولا حرج” وجاءه آخر فقال “لم أشعر نحرت قبل أن أرمى” أي الجمرات، فقال” ارمى ولا حرج” فما سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر يومها إلا قال “افعل ولا حرج”
فكان شعار عظيم يُعد مقصدا من مقاصد الشريعة، وغاية من غاياتها العظمى، ورمز لليسر والتيسير فى الإسلام إنه رمز للرفق بالناس وعدم التشديد عليهم فى عباداتهم وفتاواهم وأحوالهم، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس إيمانا لا يريد أن يشدد على الناس فى تقديم بعض المناسك أو تأخيرها، ويهتف بهتاف التيسير على رعيته “افعل ولا حرج” ولو اتخذ كل داعية وقائد ومفتى ومربى من هذا القول الجامع شعارا له ودثارا لصلاح أمر المسلمين، فاختاروا الأيسر لأنفسكم وأسركم وأبنائكم وجماعاتكم ودولكم وشعبكم وأمتكم، فما خير رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، تدبروا هذا الحديث العظيم الصحيح وتأملوا كلمة، إلا اختار أيسرهما كان يمكن أن يختار أشدهما أو أحوطهما أو أشقهما.
ولكنه اختار أيسرهما، شريطة ألا يكون فيه إثم أو مخالفة للشريعة، ويقول صلي الله عليه وسلم “إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق” ويقول صلي الله عليه وسلم” إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه” وإن من أقوال العلماء في رمي الجمرات هو قبل الزوال وحكم المبيت في منى والحلول الممكنة في هذا المجال، فالرمي قبل الزوال يجيزه الشافعي وجماعة من التابعين والمعاصرين السياسة الشرعية لها دور في تنظيم أمور الحج بما يحقق المصالح وقت الرمي يوم النحر لغير المعذورين، ووقت الرمي للمعذورين من بعد منتصف الليل إلى آخر أيام التشريق على الخلاف السابق، ومن هنا فالوقت موسع جدا عند جماهير الفقهاء ما عدا المالكية الذين ضيقوا الوقت وجعلوه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من يوم النحر.
وليس المقصود بالمعذورين في هذا الباب من له مرض وإنما هو أوسع من ذلك، حيث تسع دائرتهم كل النساء وكبار السن والأطفال والمرضى، ومرافقيهم من الأصحاء، ولذلك ورد الإذن للضعفة مطلقا من دون تقيد بمرض أو سبب محدد، فقد ترجم الإمام البخاري باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر، ثم روى بسنده ان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله، وعن ابن عباس رضى الله عنهما “أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله” وأحاديث أخرى بخصوص أسماء ومولاها، وسودة، وترجم الإمام مسلم باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليالي قبل زحمة الناس واستحباب المكثف لغيرهن حتى يصلوا الصبح بمزدلفة.
وروى عن عطاء أن ابن شوال أخبره أنه دخل على أم حبيبة فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل، بل إن السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها فهمت أن المسألة تتعلق باستئذان الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ندمت على أنها أيضا لم تستأذن منه كما فعلت سودة، بل إن الإذن لم يخصص حتى بالنساء والأهل فقط بل شمل الشباب والغلمان، فقد ورد في الصحيحين أن ابن عباس رضى الله عنهما كان فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة الى منى، علما بأنه لم يكن من المرافقين الضروريين، حيث ان الذي اخذ اهل النبي صلى الله عليه وسلم وضعفاءهم هو العباس، حيث اخرج الطحاوي بسنده عن ابي الصغير عن عطاء.
قال اخبرني ابن عباس رضى الله عنهما”إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس ليلة المزدلفة، اذهب بضعفائنا ونسائنا، فليصلوا الصبح بمنى وليرموا جمرة العقبة، قبل أن يصيبهم دفعة الناس” قال فكان عطاء يفعله بعدما كبر وضعف.