الدكروري يكتب عن التأمل في مناسك الحج والعمرة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 الخميس الموافق 6 يونية 2024

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم أما بعد إن المتأمل في مناسك الحج والعمرة بأقولها وأفعالها فسيجد أن لها ارتباطا وثيقا بتوحيد الله تعالى، فهي أعمال يعملها المسلم انطلاقا من إيمانه بالله تعالى، وتوحيده له عز وجل، منذ خروجه من بلده لأداء هذا النسك العظيم إلى رجوعه بعد أداء المناسك، وإذا ما بلغ الحاج البيت الحرام استحضر وهو يرى الكعبة أن باني البيت بأمر الله تعالى إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي كان إماما في دعوته إلى الحنيفية التي هي التوحيد حتى نسبت إليه.

وقد أمر الله تعالى عباده باتباعها، كما يستحضر أن إبراهيم عليه السلام قد شيد البيت على التوحيد، كيف وهو من دعا الله تعالى قائلا “رب اجعل هذا بلدا آمنا واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام” فإذا استحضر المسلم هذا المعنى العظيم وهو يرى البيت الحرام، لم يشرك مع الله تعالى آلهة أخرى ولذا فإنه يبتدئ طوافه بالبيت بذكر اسم الله تعالى وتكبيره، وهذا من إعلان التوحيد في بداية الطواف، وهو يطوف حين يطوف تعظيما لله تعالى لأن الله تعالى جعل الطواف بالكعبة عبادة وقربة يتقرب بها المؤمنون إليه، وإن الحجاج لا يطوفون بالكعبة لأنها بناء جميل، أو لأنها أقدم بناء على الأرض فهي من التراث، أو لأن أبويهم إبراهيم وإسماعيل، قد بنياها، أو لاعتقادهم أنها تنفع وتضر وهي أكوام حجارة كغيرها، بل يطوفون بها لأن الله تعالى أمرهم بذلك.

وقضى سبحانه بأن الطواف بها من شعائره سبحانه وتعالى، ومن مناسك الحج والعمرة التي كتبها على عباده، فقال تعالى “وليطوفوا بالبيت العتيق” ولذا كان الطواف بها قربة إلى الله تعالى، وكان الطواف بأي بناء على وجه التعبد شركا بالله تعالى، فما أعظم هذا المعنى من معاني التوحيد وقد غفل عنه كثير من الناس، وإن تيسر للطائف أن يستلم الحجر الأسود ويقبله فإنه يفعل ذلك لأن الله تعالى شرع ذلك وجعله عبادة له سبحانه، لا لأنه يعبد الحجر الأسود أو يعتقد فيه النفع والضر، ولو أن رجلا قبل حجرا غير الحجر الأسود على وجه التعبد لكان مشركا، فسبحان من جعل الطواف بالبيت عبادة، وجعل الطواف بغيره شركا، وسبحان من جعل تقبيل الحجر الأسود عبادة، وجعل تقبيل غيره شركا، وهل التوحيد إلا التزام أمر الله تعالى، والعمل بشريعته.

والوقوف عندها، والحذر مما أحدثه المحدثون من أنواع الشرك والبدع والضلال؟ فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمى الجمار لإقامة ذكر الله” رواه أبو داود، ولو فقه المسلمون هذا المعنى العظيم في الحج لما كان في كثير من بلاد المسلمين قبور وأضرحة تعبد من دون الله تعالى فيطاف بها، وينذر لها، ويدعى عندها، ويصرف لها ما لا يجوز صرفه إلا لله تعالى من المحبة، والتعظيم والخوف والرجاء، فما أشد غربة التوحيد في كثير من بلاد المسلمين؟ وما أحوجنا إلى معرفة ارتباط العبادات من صلاة وصيام وصدقة وحج وغيرها بتوحيد الله تعالى، وأن الدافع الذي يدفع المسلم إلى هذه العبادات مع ما فيها من مشقة هو توحيده لله تعالي.

ولو فقه المسلمون ذلك حق الفقه لما انقلبت العبادات عند كثير من الناس إلى ما يشبه العادات، فلا تتحرك بها قلوبهم، ولا تزكو بها أعمالهم وأخلاقهم،ألا فاتقوا الله ربكم، واستشعروا في كل عبادة تؤدونها حقه سبحانه عليكم، واستحضروا عظمته وقدرته، وأنه عز وجل ربكم وإلهكم وأنتم عبيده، وأنه تعالى غني عنكم وأنتم مفتقرون إليه في كل أحوالكم وأحيانكم وشؤونكم، فمن استحضر ذلك في كل عبادة يؤديها، وجد في قلبه لذة لا يجدها في أي شيء آخر، فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا شعائره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.