بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الكيّس مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله تعالى الأماني، ألا وإن من الأعمال التي أباحها الله تعالى لعباده المؤمنين العمل لكسب المعيشة، ولقد جاء الشريعة الإسلامية بالكثير من القيم الأخلاقية التي ينبغي على العامل أن يلتزم بها، ويدخل ضمن الالتزام بأنظمة العمل أمور كثيرة، منها الالتزام بأوقات العمل والمحافظة عليها، فذلك من أهم واجبات العمل التي تنص عليها الأنظمة والقوانين، فيجب احترام مواعيد العمل الرسمية والتقيد بها في الحضور والانصراف، وعدم التغيب عن العمل إلا لضرورة أو لظرف قاهر، وعدم الانشغال في أثناء وقت العمل بأمور ومصالح شخصية لا علاقة لها بالعمل، وإن عدم الالتزام بأوقات العمل والمحافظة عليها يعد إخلالا بأنظمة العمل ولوائحه، ونقضا لمقتضيات عقد العمل الذي تَم الاتفاق عليه بين أطراف العمل، والله تعالى يدعو عباده المؤمنين إلى الوفاء بعقودهم وشروطهم.
حيث يقول سبحانه كما جاء في سورة المائدة ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” وأيضا الإلتزام بطاعة المسؤولين، فطاعة العامل التامة لرئيسه المباشر في أي مجال من مجالات العمل فيما يخدم العمل ويطوره ويزيد الإنتاج ويحسنه خلق كريم ينبغي التحلي به، حيث يقول تعالي كما جاء في سورة النساء ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم” إلا أنه يشترط في هذه الطاعة أن تكون بالمعروف، بحيث لا يتجاوب العامل أو الموظف مع رئيسه إلا بما يرضي الله سبحانه وتعالى ولا يسخطه لأنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “لا طاعةَ لمخلوق في معصية الله عز وجل ” وكذلك أيضا التعاون في الأداء، فالتعاون بين عموم المسلمين على البر والتقوى خلق رفيع دعا إليه الإسلام ورغب فيه حيث يقول تعالي كما جاء في سورة المائدة ” وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا غلي الإثم والعدوان” ويقول النبي صلى الله عليه وسلم.
“كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” ومن صور التعاون الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم هو تعاون العاملين فيما بينهم في أداء العمل فيما يحقق النفع والخير للعاملين، ويفعل أنظمة العمل وقوانينه، ويحقق الفائدة والتطوير لهذا العمل، وكما أن من الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة في العامل هو التزامه بأداء الواجبات الشرعية، وقيامه بالعبادات المفروضة التي أوجب الله على عباده المؤمنين القيام بها، وعلى رأسها أداء الصلوات المفروضة جماعة، وصيام شهر رمضان حيث يقول تعالى كما جاء في سورة إبراهيم ” قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة” ويستلزم أداء هذه الواجبات الشرعية اجتناب جميع المحرمات والمعاصي الموجبة لغضب الله سبحانه وسخطه وعقابه، والالتزام بهذا المبدأ الخلقي يعود بالكثير من الآثار الإيجابية النافعة على العامل في أداء عمله، من حيث تحقيق رضا الله سبحانه ونيل تسديده وتوفيقه.
وتحقيق البركة في العمل والرزق، وتحقيق الطمأنينة والسكون، والاستقرار النفسي والصفاء الذهني لدى العامل، وترسيخ كثيرٍ من القيم الخلقية المطلوبة في أداء العمل كالأمانة والإخلاص وإتقان العمل، وإيجاد روح المحبة والتآلف بين العاملين في مقر العمل، وكما ينبغي على العامل أن يُحسن التعامل مع المراجعين له لإنجاز معاملاتهم التي بين يديه، وذلك باحترامهم واللطف معهم والرفق بهم، فهذه من الخِصال الحميدة التي حث عليها الإسلام ضمن طائفة من الأحاديث النبوية الصحيحة، منها قوله صلى الله عليه وسلم “الراحمون يرحمهم الله تعالى” وفوله صلى الله عليه وسلم “ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء” وقوله صلى الله عليه وسلم “مَن لا يرحم الناس لا يرحمه الله” وقوله صلى الله عليه وسلم “ما تواضع أحد لله إلا رفعه” وقوله “إن الله يُحب الرفق في الأمر كله” وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا ” إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه”
وقوله صلى الله عليه وسلم كذلك “اللهم مَن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومَن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به” وهكذا فرض الإسلام علينا فرائض ووضع لنا حدودا وشروطا لكل التعاملات وأمرنا الله عز وجل بأن لا نتعدي حدوده عز وجل، فلا ينبغي للمسلم أن يشغله معاشه عن معاده، فيكون عمره ضائعا، وصنعته خاسرة، وما يفوته من الربح من الآخرة لا يفي به ما ينال في الدنيا، فيكون ممن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، بل العاقل ينبغي أن يشفق على نفسه، وشفقته على نفسه بحفظ رأس ماله ورأس ماله دينه، فيه ربحه ونجاته وسعادته، وفوزه في الدنيا والآخرة ومغفرة ذنوبه، وأطيب المساكن في أعلى الجنات، وإن هناك مقوله تقول لا تحدثني عن الدين كثيرا، ولكن دعني أرى الدين في سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك، وهذه هي الترجمة الحرفية والفورية لشريعة رب البرية سبحانه وتعالي.