الدكروري يكتب عن الإفتراء علي الصحابي أبي هريرة


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن من المفارقات العجيبة أنه بقدر ما شدّت قلوب المؤمنين إلى محبة هذا الصحابي الجليل أبي هريرة عبد شمس بن صخر بقدر ما اشتد عداء الكفار والمنافقين وأفراخهم من المستشرقين، والمستغربين لهذا الرجل الأصيل، فراحوا يشوّهون صورته المشرقة بأثافي الأساطير والأكاذيب، ويصفونه بالغفلة والبله والميل إلى المزاح والألاعيب، بل نسبوا إليه الكذب فيما روى من أحاديث الصادق الأمين، وهالهم ما حفظه من ذلك في قلة السنين، لكن أهل الإيمان لا ترجفهم أقاويل المفترين ولا تصرفهم عن محبة أبي هريرة ترهات الممترين، لأنهم بفضله ومناقبه عارفون عالمون، وبشرف الدفاع عنه مكافحون منافحون، والناظر بعين الإنصاف في سيرة هذا المؤمن المحبوب، يجدها سيرة قد حازت من الفضائل كل مرقوب ومطلوب.

فقد كان في الجاهلية يسمى بعبد شمس كما ترجم له البخاري في تاريخه، ولما جاء الإسلام غيّر اسمه، لأنه لا يجوز تسمية إنسان بأنه عبد فلان أو عبد شيء من الأشياء، وإنما هو عبد الله فقط، فسمّي بعبد الرحمن، وقيل عبد الله، والمشهور الأول، ورجّح ابن حجر احتمال صحة الاسمين، وقد نشأ أبى هريره رضي الله عنه يتيما وهاجر مسكينا كما يقول عن نفسه، وتأخر قدومه إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأسلم سنة سبع في غزوة خيبر، لم يشهد بدرًا ولا أحدًا ولا غزوة الأحزاب، ومات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة للهجرة، فكانت مدة صحبته للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما بين ثلاث سنين وأربعه ، ولا تناقض لأن السنين الثلاث المذكورة عند البخاري فسّرت بالملازمة اللصيقة.

والحرص الشديد على الصحبة وتلقي الحديث، وهؤلاء هم أهل الصفة، والصفة موضع مظلل في شمال المسجد النبوي يأوي إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لا منزل له وأكثرهم من المهاجرين الفقراء وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يطعمهم ويتفقد أحوالهم ، وفضلهم مشهور لا ينكر، وكان أبو هريرة منهم قد حاز شرف فقرهم وفضلهم وأجرهم، وهكذا نرى أن الفضل قد تتابع لأبي هريرة لصحبته، ولهجرته، ولدوسيته، ويمانيته، ونيله دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وتوثيقه له، وشهادة القرآن له، وبعد وفاة النبي محمد، شارك أبو هريرة في عهد أبي بكر الصديق في حروب الردة، كما شارك في الفتح الإسلامي لفارس في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

ثم استعمله عمر واليا على البحرين، فقدم من ولايته عليها إلى المدينة بعشرة آلاف، فاتهمه عمر بن الخطاب في تلك الأموال، فأنكر أبو هريرة رضي الله عنه اغتصابه لتلك الأموال، وقال له بأنها نتاج خيله، ومن تجارته في الغلال، وما تجمّع له من أعطيات، فتقصّى عمر بن الخطاب الأمر، فتبيّن له صدق مقولة أبي هريرة رضي الله عنه، وأراد عمر بن الخطاب بعدئذ أنه يُعيد أبي هريرة رضي الله عنه إلى ولايته على البحرين، فأبى أبو هريرة، وامتنع، بعد ولايته تلك، وقد أقام أبو هريرة رضي الله عنه في المدينة المنورة يُحدّث طلاب الحديث، ويُفتي الناس في أمور دينهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.