بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الإسلام دين يحمل كل معاني الإنسانية والرحمة والسلام للناس جميعا، والإنسانية هي إحدى خصائصه التي ارتبطت بأحكامه وتشريعاته، وتأكيدا على معاني الإنسانية خلق الله الناس جميعا من نفس واحدة، فمنذ اللحظة الأولى رفع الإسلام شعار الإنسانية، وأصل لها، وأكد الرسول على المعنى ذاته فقال “كلكم لآدم، وآدم من تراب” فلا تمييز ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح، وتتجلى إنسانية الإسلام في إعلاء قيمة الإنسان بين سائر المخلوقات، فكرمه وفضله، مهما كان معتقده أو جنسه أو لونه، ومن الجوانب الإنسانية العظيمة التي أسس لها الإسلام، التعايش السلمي بين الناس جميعا، وأمر ببر غير المسلمين والإحسان إليهم، ومن الجوانب الإنسانية في الإسلام، حثه على تفريج الكرب عن المكروبين وإزالة همومهم ومشاركتهم آلامهم وأحزانهم، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم.
” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون الله ما كان العبد في عون أخيه” ولقد كان الأساس الأول في الرسالة الإسلامية هو توثيق الصلة بالله تعالي، لأن أي مجتمع لا يكون متصلا بالله لا يكتب له النصر ولا النجاح، ولأن الاتصال بالله يعزز أهل الحق وينصرهم نصر عزيز مقتدر وتمثل توثيق الصلة بالله ببناء المسجد النبوي الشريف الذي كان أول عمل قام به رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينة وشارك بنفسه في بناء المسجد النبوي، ليوضح أهمية المسجد وأهمية رسالة المسجد في أداء الشعائر وتوثيق الصلة بالله سبحانه وعقد مجالس العلم والخير، وكما كان الأساس الثاني يتمثل في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فقد آخي الرسول صلي الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار.
وجعل منهم أخوة متحابين تعاونوا وتحابوا بروح الله فأصبحوا متعاونين علي البر والتقوى، وكان الأنصار عند حسن ظن النبي بهم، لدرجة أن هذه المؤاخاة لم يقف أمرها عند حد المؤاخاة فحسب بل أصبحوا بها يتوارثون كما يتوارث الأبناء من آبائهم، وكان من ثمرة هذه المؤاخاة ما تميز به الأنصار من إيثار غيرهم علي أنفسهم، حتى في الطعام، وقصة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع معلومة ومشهورة، وكان الأساس الثالث الذي أقام الرسول صلي الله عليه وسلم الدولة الإسلامية عليه هو تلك المعاهدة التي عاهد فيها المسلمين وغيرهم من اليهود والمشركين فشرط لهم وشرط عليهم وهي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان والتعايش السلمي، وهذه المعاهدة تفحم بعض الذين يتشدقون بأن في الإسلام عصبية أو أن فيه عنصرية فكان التعايش السلمي يحمل أوضح الدلائل علي تسامح الإسلام.
فما أحوج الأمة إلى القيم الإنسانية وخصوصا مع الضعفاء وذوي الاحتياجات وذلك بأن نقضي حاجتهم ونرفق بهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال صلي الله عليه وسلم” يا أم فلان، انظري أي السكك شئت حتي أقضي لك حاجتك” فخلا معها في بعض الطرق حتي فرغت من حاجتها” رواه مسلم، وهذا من حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم وصبره على قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي هذا خير كثير وبركة عظيمة للأمة بوجود هؤلاء الضعفاء، بل إن وجود الضعفاء في المجتمع سبب لرفع الضر والعذاب عنا، فإننا نحتاج إلى أن نربي إنسانا بمعنى الكلمة نحتاج إلى زرع إنسان يبقى أثره مئات السنين كما قال أحدهم إذا أدرت أن تزرع لسنة فازرع قمحا وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع إنسانا.
فيجب أن لا تفقدوا الأمل في الإنسانية لأنها محيط، وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة فلا يصبح المحيط بأكمله قذرا، فإننا نحتاج إلى إنسانية في التعامل مع الكبير وإنسانية في التعامل مع المذنب، وإنسانية في التعامل مع المخطئ، وإنسانية في التعامل مع الحيوانات وإنسانية في التعامل مع النساء وإنسانية في التعامل مع غير المسلمين وإنسانية في تعامل الطبيب مع المرضى وإنسانية في تعامل رب العمل مع عماله وإنسانيه في تعامل الموظفين والمسئولين والإداريين مع الجماهير وقضاء حوائجهم وإنسانية في التعامل مع جميع فئات المجتمع مع اختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم وأشكالهم وألوانهم ووظائفهم وأحوالهم، فإننا نحتاج أن نجسد الإنسانية من خلال شخصية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الآخرين ونسقطها على أرض الواقع فهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأسوتنا.
ألا ما أحوج البشرية إلى هذه المعاني الإسلامية السامية، وما أشد افتقار الناس إلى التخلق بخلق الإنسانية التي تضمّد جراح المنكوبين، والتي تواسي المستضعفين المغلوبين، ولا سيما في هذا العصر، الذي فقدت فيه الإنسانية من أكثر الخلق، فلا يسمع في هذا العصر لصرخات الأطفال، ولا لأنين الثكلى، ولا لحنين الشيوخ، ولا لكلمة الضعفاء، لا يسمع فيه إلا للغة القوة، ومنطق القدرة، فإذا استحكم الظلام في النفوس، وطغى طوفان المادة الجافة آذنت الإنسانية بالرحيل، كما قال قائلهم إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب، وإن لم تجهل يُجهل عليك، وإن لم تتغد بزيد تعشّى بك، فعليكم بالإنسانية والرفق واللين والرحمة بجميع فئات المجتمع، الآباء والصبيان والأرامل والعجزة والأجراء وغير ذلك مما ذكرنا، فإننا إن فعلنا ذلك تحقق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي” رواه مسلم.