بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، إن إمساك الشر عن الناس له منزلة عند الله تعالى، بل يتصدق الإنسان بمنع شره عن غيره، كيف؟ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “على كل مسلم صدقة” قيل أرأيت إن لم يجد؟ قال يعتمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق” قال أرأيت إن لم يستطع؟ قال “يعين ذا الحاجة الملهوف” قال قيل له أرأيت إن لم يستطع؟ قال “يأمر بالمعروف، أو الخير” قال أرأيت إن لم يفعل؟ قال “يمسك عن الشر، فإنها صدقة” وفي لفظ له “من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر أو يضع عنه”
ويقول صلي الله عليه وسلم “من مشى بحق أخيه ليقضيه، فله بكل خطوة صدقة” وإن الصدقات قد تقضي للمحتاجين بعض حاجاتهم، دون أن يطرقوا الأبواب، أو يسألوا الناس إلحافا، وذلك له ثواب عظيم عند الرحيم الكريم سبحانه فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء” وصنّاع المعروف لا يقعون إلا متكئين حيث قال ابن عباس رضي الله عنه “صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع، وجد متكئا” وقال محمد بن عيسى رحمه الله كان عبدالله بن المبارك كثير الاختلاف أي الذهاب إلى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان أي فندق فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، فقدم عبدالله مرة، فلم يره، فخرج في النفير، أي الجهاد في سبيل الله مستعجلا.
فلما رجع، سأل عن الشاب، فقال محبوس على عشرة آلاف درهم، فاستدل على الغريم أي صاحب الدين ووزن له عشرة آلاف، وحلفه ألا يخبر أحدا ما عاش، فأخرج الرجل، وسار ابن المبارك، فلحقه الفتى على مرحلتين من الرقة، فقال لي يا فتى أين كنت؟ لم أرك قال يا أبا عبدالرحمن، كنت محبوسا بدين، قال وكيف خلصت؟ قال جاء رجل فقضى ديني، ولم أدر، قال فاحمد الله، ولم يعلم الرجل إلا بعد موت عبدالله بن المبارك، وقيل أنه خرج عبدالله بن المبارك رحمه الله مرة إلى الحج، فإجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم، فأمر بإلقائه على مزبلة، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت، فكشف عن أمرها وفحص، حتى سألها، فقالت أنا وأختي ها هنا، ليس لنا شيء، وقد حلت لنا الميتة.
وكان أبونا له مال عظيم، فظلموه وتم أخذ ماله وقتلوه، فأمر عبدالله بن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله كم معك من النفقة؟ فقال ألف دينار، فقال عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى مرو، وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع، واعلموا يرحمكم الله إن من أجل العبادات هو قضاء حوائج المحتاجين والضعفاء، وإغاثتهم بالطعام عند الجوع، والغطاء عند البرد، والعلاج عند المرض، فإن لم تجد فكف لسانك عن الشر، فقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “دلني على عمل يدخلني الجنة، قال أطعم الجائع، واسقي الظمآن، وأمر بالمعروف، وانهي عن المنكر، فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير”