بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ومن تلك الإصلاحات، هو إصلاح الوضع السياسي، فلقد تمكن فرعون وملؤه من صد الناس عن عبادة الله بالهيمنة على الوضع السياسي القائم، إذ أجبروا مجموعة من الشبان على تعلم السحر ليفرضوا سيطرتهم على المجتمع ويصدوهم عن عبادة الله تعالى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما “أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل، فأمر أن يُعلموا السحر، وقال علموهم تعليما لا يعلمه أحد في الأرض، فبعث الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى وحدانية الله، وأبطل ما كانوا عليه من السحر بالمناظرة التي انتهت بإيمان السحرة، ويتبين ذلك من قول أولئك السحرة لما آمنوا بالله تعالى، إذ لم يرهبهم التهديد والوعيد، فقال تعالى فى سورة طه ” إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى” فالإصلاح السياسي لابد أن يبدأ من الحاكم بإقامة دين الله وتحري العدل وأن الدعائم التي تقوم عليها الدولة هي الشورى، والعدالة.
والمساواة، ووجود القوة والهيبة للدولة، مع الاهتمام ببطانة الحاكم وموظفيه، فقام الأنبياء بإصلاح هذه الأشياء، وإن من الإصلاح هو إصلاح الوضع الاقتصادي، فقد استطاع الملأ من أهل مدين أن يصدوا الناس عن عبادة الله وحده بالسيطرة على الوضع الاقتصادي من خلال تطفيف الكيل والميزان، فبعث الله إليهم شعيبا عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ثم أبطل ما كانوا عليه، من الظلم في تطفيف الكيل، وبخس الناس أشياءهم والإفساد في الأرض، وقال عليه السلام بعد أن نهاهم عن التطفيف في الكيل والوزن، كما جاء فى سورة هود ” إن أريد إلا إلإصلاح ما استطعت” أي ليس لي من المقاصد إلا أن تنصلح أحوالكم وتستقيم منافعكم، وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي شيء بحسب استطاعتي وقد توعد الله تعالى هؤلاء المطففين بالويل والهلاك، وقام نبى الله يوسف عليه الصلاة والسلام في علاج الأزمة الاقتصادية.
بوضع خطة خمس عشرية كما أخبر القرآن الكريم، وقد وضع الله تعالى الحوافز الذاتية التي تجعل الإنسان يسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية من خلال المنهج الإسلامي، فهناك حوافز روحية، وذلك من خلال النصوص القرآنية والنبوية التي تحث علي ذلك فيقول الله تعالى فى سورة الأحقاف ” ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون” ويقول تعالى فى سورة الكهف ” إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ” ويقول تعالى فى سورة فاطر ” إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه” ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة” رواه البخاري ومسلم، وفي مجال الحوافز الدنيوية، فقد وردت أحاديث كثيرة، فمثلا في مجال الأعمال المخصوصة كالزراعة، جاءت أحاديث تجعل العمل الزراعي في الأراضي غير المملوكة سببا في التملك.
وهذا الحافز يتسم مع طبيعة الإنسان المجبولة على حب المال والتملك، ومن ذلك قول النبي صلى اله عليه وسلم “من أحيا أرضا ميتة فهي له، وما أكلت العافية منه له به صدقة” رواه الدارمي، وكذلك فإن من الإصلاح هو إصلاح الوضع الاجتماعي، حيث كان الصراع الطبقي من الأوضاع الفاسدة في قوم نوح، وكان الملأ يرفضون الاستجابة لدعوة نوح عليه الصلاة والسلام بحجة أن أتباعه من الفقراء والمساكين، فلما جاء نوح عليه الصلاة والسلام دعاهم إلى التوحيد، ثم أنكر عليهم فعلهم، وأما الملأ من قومي عاد وثمود فقد استخدموا البنايات العظيمة ليصدوا الناس عن عبادة الله، فلما أرسل الله هودا عليه الصلاة والسلام إلى عاد دعاهم إلى التوحيد، ثم قال لهم ” أتبنون بكل ريع آية تعبثون” وكذلك ما قام به نبى الله صالح عليه الصلاة والسلام من دعوة قومه إلى التوحيد، ثم قال لهم ” وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين” وقال أيضا والحسرة في قلبه على قومه.
كما جاء فى سورة الأعراف ” فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين” أي أنه أبان عن نفسه أنه لم يأل جهدا في إبلاغهم الرسالة ومحض النصح، وأما قوم لوط فقد ارتكبوا جريمة لم يسبقهم بها أحد من العالمين، فلما جاءهم لوط عليه الصلاة والسلام دعاهم إلى التوحيد، ثم أنكر عليهم فعلهم الشنيع، كما قال تعالى فى سورة النمل ” أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون” والإصلاح في المجتمعات لا يعنى تغيير الجبال والبيوت والأشجار إلى لون غير الأول، ولا تغيير الأوجه والمناظر ولا نقل الأودية، وهكذا لا يعني التغيير في أعضاء الإنسان بالزيادة فيها أوالنقصان، لكن يعنى تغيير الشعور الداخلي في نفس الإنسان وتزويده بالمكارم والفضائل ليصبح عنصرا ولبنة ذي دور في المجتمع، والإصلاح الاجتماعي مرهون بإدراك كل فرد حقوقه وواجباته.