الدروس من الحرب الروسية الأوكرانية بعد مرور عام

كتبت / عبير سعيد

مضي عام على الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ومهما كان هناك تورط من أطراف دول أخرى، فإن المعارك الدائرة تدور في فلك صد هجمات جاءت بها روسيا عبر الحدود .. وإذا كانت الحروب الكبرى، سواء تلك التي دارت بين دولتين أو دول عدة أو حتى حروب عالمية، قد جرت دراستها في كلياتها بحثاً عن الأسباب الجذرية والعرضية لنشوب الحرب وجزئياتها بحثاً عن تكتيكات المعارك واستراتيجياتها .. وبدأت الدراسات حول الحرب بين روسيا وأوكرانيا حتى قبل ظهور شمس عام جديد فهناك
دروس بعد عام من الحرب الأوكرانية :

الدرس الأول :

إنه من السهل جداً للقادة أن يخطئوا الحساب، مثل الأخطاء التي إرتكبها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما أعتقد عالياً في القدرة الروسية على تحقيق أهداف سريعة في الحرب، ومقابل ذلك ظن أن الأوكرانيين لن يكون لديهم القدرة على المقاومة وشن هجمات مضادة .. وكذلك إن أوروبا الغربية لن يكون في مقدورها التخلي عن الغاز الروسي، ومن ثم فإنها لن تقدم المعونات لأوكرانيا، بشكل ما. والحقيقة أن الدرس المستخلص من الحرب الأوكرانية لا يختلف عن الحالة في كثير من الحروب، ليس فقط لخطأ في القادة، وإنما نتيجة أخطاء في المعلومات، وأخطاء أخرى في إدارة السياسة الخارجية وسياسات الأمن القومي حينما تغيب القدرة على تصحيح ما هو خطأ وقبول ما هو صواب.

الدرس الثاني :

إن الدول تتحد لكي تواجه العدوان، وهنا سوف نجد الأصول الفكرية، حيث جاءت من المدرسة الواقعية التي ترى في الدولة فاعلاً أساسياً في العلاقات الدولية، وأنها تتصرف وفقاً لتوازنات القوى التي تحدث إما من خلال قدراتها الذاتية أو من خلال التحالف مع دول أخرى .. التاريخ الأوروبي كله قام على سلاسل من تحالفات توازن القوى، والحربين العالميتين الأولى والثانية قامتا على تحالفين، وقبلهما جرت هكذا التوازنات الأوروبية وكانت بريطانيا تقوم بدور قبة الميزان التي تذهب إلى حيث لا يسمح لقوة واحدة بالسيطرة على القارة الأوروبية .. وبعد الحربين فإن السياسة الأوروبية قامت بردع الحروب من خلال التحالف الدائم لحلف الأطلنطي، وإنشاء ما صار الأتحاد الأوروبي، لكي تخلق قوة عسكرية وإقتصادية لا يوجد ما يماثلها لا في القارة ولا في العالم .. عملياً، فقد كانت مهمة هذين التحالفين هي إستيعاب ألمانيا أو قهرها إذا استيقظت مرة أخرى، وعندما تم توحيد ألمانيا بعد إنتهاء الحرب الباردة فإن عواصم أوروبية كثيرة ارتجفت من نتائج التوحيد. وبينما كان التحالف الأوروبي والأطلنطي مهماً من زاوية ردع الأتحاد السوفياتي فإنه لم يكن متصوراً أن تقوم روسيا بهذه الخطوة تجاه دولة أوروبية، ولكن عندما حدث الإجتياح لأوكرانيا فإن الطاقة الإقتصادية والتكنولوجية الهائلة للمعسكر الغربي في العموم شكلا فارقاً مهماً على مسرح العمليات حينما عطلت الهجمات الروسية، وسمحت للقوات الأوكرانية بشن هجمات مضادة ذات تأثير في موازين الحرب.

الدرس الثالث :

إن الحرب لا تنتهي إلا عندما تنتهي فعلياً، ومن ثم فإن الحرب ليست فيلماً سينمائياً يبدأ بلحظات عنف شديد وباهر، وتنتهي بعبور أقواس النصر وحصول الجنرالات على شارات البطولة .. ومن هنا، فإنه ليس كل تقدم مؤقت يعني نصراً أو بداية النصر، أو أن الهجمات المضادة والانسحابات المؤقتة لا تعني بالضرورة نهاية الحرب. الحروب التي تندرج فيها القوى الكبرى ليست رخيصة وبالتأكيد ليست سريعة، ومثلما كانت التوقعات الروسية بالنصر السريع مبالغاً فيها، فإن سلاح العقوبات الإقتصادية الغربي لم يكن كافياً لتركيع روسيا، ومهما كان الإعتصار جارياً لأوكرانيا فإنها أثبتت قدرة على إستمرار القتال وتحرير أرض .. وبالتأكيد كان لدى روسيا الموارد الذاتية، وبعضها خارجية، لكي تستمر في قتال ضروس، وبالنسبة لأوكرانيا، فإن الحرب باتت معركة وجود للدولة الأوكرانية لا بديل فيها عن المقاومة والإستفادة القصوى من الحلفاء الغربيين.

الدرس الرابع :

إن الحرب تعزز موقف المتطرفين لدى طرفي القتال، وتجعل من التوصل إلى حلول وسط أكثر صعوبة .. وفي الحقيقة، فإن الحرب أظهرت للعالم جماعة الوطنيين القوميين الروس والمدى الذي يذهبون إليه في تصور روسيا القيصرية التوسعية وقد أتت من تاريخها القديم قافزة فوق الفترة السوفياتية لكي تعيد مجدها ومكانتها على مائدة القوى الأوروبية في الماضي والعالم في الحاضر .. أوكرانيا في جانبها لم يكن ممكناً لها الصمود والمقاومة والهجوم المضاد دون ما تطور داخلها لقدرات معنوية ضخمة إستندت إلى قومية حقيقية كانت هي التي تحملت أعباء الحرب العسكرية ضاع فيها 20 % من الأرض الأوكرانية، ونحو 9 ملايين أوكراني بين لاجئ ونازح.

الدرس الخامس :

يعود بنا إلى ما قبل الحرب، وعما إذا كان إتباع الغرب سياسة واقعية تقيد إستخدام القوة بأشكالها المختلفة، وتمنع حلف الأطلنطي من التوسع شرقاً، سوف يكون سبباً في منع الحرب وتقييدها إذا ما نشبت .. صحيح أن الغرب أطلق الكثير من صيحات التحذير، بل إنه أكثر من ذلك نشر خطة الحرب كاملة لعل القيادة الروسية تتراجع، ولكن ذلك لم يكن كافياً أو مقنعاً لروسيا أنها لن تتعرض للتهديد من قبل حلف الأطلنطي.

الدرس السادس

أن القادة لهم قيمة أساسية في مثل هذه المنعطفات التاريخية الحادة، فما يمكن إستخلاصه مما حدث أنه لم يكن موجوداً القادة العظام الذين يمنعون الحرب من الحدوث، وإنما وجد القادة من نوعية أقل تعرف كيف تنزلق إليها ..

دروس الحرب العسكرية أكثر غزارة من تلك الإستراتيجية والسياسية والإقتصادية :

وذلك ربما لأن تغطية المعارك تجعل المعرفة أكثر إتاحة .. ويمكن القول، إن التطورات التكنولوجية أصبحت النقطة الفارقة في الحرب الأوكرانية عما كانت عليه الحروب قبلها ..
في أوكرانيا جرى إستخدام أسلحة الحرب السيبرانية، والذكاء الصناعي بغزارة للتشويش على خطوات الخصم، مع إستشعار خطواته الحالية والمستقبلية .. الطائرات المسيرة أو الدرونز بأنواعها المختلفة هي العلامة المميزة للحرب، خاصة تلك التي تطلق لكي تقوم بتدمير أهدافها دون توجيه إنساني .. لكن القفزة الكبرى جرت في العمليات المخابراتية التي مكنت من التنصت والمتابعة لشبكات التواصل الإجتماعي والتليفونات الجوالة وبالطبع إستطلاعات الأقمار الصناعية ..
الحرب تضيف أيضاً أهمية إدارة الحرب بطريقة لا مركزية وهو الدرس الذي قدمته أوكرانيا لكي تستطيع توزيع قواتها بطريقة تجعل القوات الروسية في حالة إشتباك دائم ..
الروح المعنوية هي درس دائم في كل الحروب، والحرب الأوكرانية ليست إستثناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.