بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الخصومة والفرقة والهجران سبب لإيغار الصدور، وطريق للحقد والغل في القلوب، وبريد البغضاء والشحناء في النفوس، فعلى كل مسلم أن يكون هينا لينا سمحا، يرجو من الله تعالى الأجر والثواب، ويقابل بالعفو والصفح، وإن تعدى الخصم حدود الله فيه، فهو يعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين، فيأبى أن يكون عونا للشيطان على أخيه، لأن الله سبحانه وتعالى، يدعوه فيقول فى كتابه العزيز فى سورة المائدة ” فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ” وإياك إياك أن يغرك الشيطان، فطهر قلبك من الآن، ونقى صدرك في هذا المكان، وكن من أفضل الناس فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أى الناس أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” كل مخموم القلب، صدوق اللسان” قالوا صدوق اللسان نعرفه، فما هو مخموم القلب؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” هو التقى النقى، لا إثم فيه، ولا بغى، ولا غل، ولا حسد ” رواه ابن ماجه.
وعن أبي هريرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا” رواه مسلم، فما قيمة الدنيا بحذافيرها مع خسارة الآخرة؟ وما أشقى حياة من أطاع هواه وشيطانه، وابتعد عن أخلاق دينه، وتوجيهات نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن البعد والغفلة عن تعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقه السمحه، قد أوقَع المسلمين فيما وقعوا فيه من تقاطع وتنافر، وتعكر صفو، وتعب في الحياة، ونسيان حتى في التفكير فيما يعود عليهم بالصالح في أمور دينهم ودنياهم، فنجد المحاكم والدوائر تغص بالمعاملات والمراجعين من هذا القبيل، ولا نجد معاملة لشخص سواء كان مسؤولا أو غير مسؤول في تخلف شخص عن الصلاة، إنها مصيبة أن ينسى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإصلاح المسلمين، وينشغل الناس بما يورث البغضاء والعداوة بين المسلمين، وإن الذهاب إلى المساجد سهل، لا كلفة فيه، وعاقبته تجارة رابحة في الدنيا والآخرة، وما أقل المتنافسين على ذلك، وإن الذهاب إلى أرض قاحلة قد لا تكون صالحة ولا يستفاد منها، ويحتاج إلى كلفة ومشقة، والذهاب إلى بلد من البلدان لإحضار بعض السلع التجارية يحتاج إلى نفقة ومخاطرة، ومع هذا نجد ذلك سهلا، ومستهانا عند الكثير من الناس، ونجد لديه استعدادا للمداعاة والمرافعات، وإنفاق النفقات، حتى ولو لم يستفيد إلا القليل من هذا الحطام الفاني، وإن هناك كثير من الآداب المفقودة بين المسلمين، وهذه الآداب المفقودة تسبب أنواعا من الوقوع في الإثم والعدوان، وإن كثير ممن الناس يستهينون بباب الأخلاق والآدب مع أن باب الأخلاق والآداب من الأمور العظيمة التي هي من مزايا هذه الشريعة العظيمة ومن محاسنها الحميدة، وإن بعض الناس يهتمون بأمور المعتقد والفقه والعلم.
وينسون أن هذا الدين متكامل لا بد أن يكون المسلم فيه متخلقا بأخلاق الإسلام، متأدبا بآداب الشريعة، وإن من مآسينا في هذا الزمان، وفي ضمن دائرة الابتعاد التي ابتعدنا فيها عن الإسلام يوجد هناك كثير من النقص، وكثير من العيب، ومن ضمنه هذه الأمور هو الحقد، وهو مرض خطير، ومرض متفش في هذا الزمان، وكثير من الناس يحقدون على بعضهم البعض، وإن الحقد من معانيه الضغن والانطواء على البغضاء وإمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها، أو سوء الظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة أو طلب الانتقام، والغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي فورا رجع إلى الباطل واحتقن في النفس فصار حقدا، والحقد من مرادفاته الضغينة والغل والشحناء والبغضاء، وغيرها، والحقد خطير جدا، لأنه يؤدي إلى المهالك، والحقد قد يتداخل مع الحسد والغضب، ولكن هناك اختلاف، فالحقد رذيلة بين رذيلتين، لأن له ثمرة الغضب، والحقد يتولد من أي شيء؟
يتولد من الغضب، وهو يثمر الحسد ويؤدي إليه، فاجتمع في الحقد أطراف الشر، والحقد حين تحليله يتبين أن من عناصره هى الكراهية الشديدة والبغض العنيف، والرغبة في الانتقام وإنزال السوء بمن يكرهه الحاقد، وتخزين العنصرين السابقين في قرارة النفس وتغذيتهما بالأوهام والتصورات، والاسترجاعات المختلفة للمشاهد، مع مثيرات جديدة للكراهية والرغبة في الانتقام، فتتفاعل هذه كلها تفاعلا يأكل نفس الحاقد من الداخل، وتتغلغل هذه الدوافع في النفس تغلغلا يسبب فعلا التآكل الداخلي والانهيار في النهاية في نفس الحاقد، ولكي نبين كيف يتولد الحقد من الغضب، نقول إنك قد تغضب على إنسان أو أن الشخص قد يغضب على أخيه أو على إنسان فيريد منه الانتقام، فإذا لم يستطع أن ينتقم منه ليشفي غيظ قلبه ويثأر لنفسه، ولم يستطع أيضا أن يصفح عنه ويسامح، لأنه لا يقدر على ذلك، لا استطاع الانتقام ولا استطاع المسامحة ماذا يحدث؟
تتخزن هذه الطاقة الكريهة في النفس، ويحتقن هذا الحقد في النفس، ويظل دفينا يتحرك ويشتعل داخليا، كلما رأيت الإنسان الذي أنت تحقد عليه، وكلما ذكر اسمه على مسمعك، أو تذكرت شيئا من أفعاله وأقواله، أو مشهدا من المشاهد التي حصلت فيها لهذا الشخص مواقف معك، فتتفاعل هذه الغريزة عندك أو هذا الخلق وهو الحقد وإن المسألة باختصار هو اختزان وإمساك العداوة والبغض في القلب واستمرار تفاعلها وهذا المرض له آثاره المدمرة على نفس الحاقد، لأنه يشغل القلب، ويتعب الأعصاب، ويقلق البال، ويقض المضجع، وقد تظلم الدنيا في وجه الحاقد، وتضيق به على سعتها، وتتغير معاملته حتى لأهله وأولاده، لأن الحقد يضغط عليه من كل جانب، وقد تتسع دائرة الحقد لتشمل الأبرياء، كما لو كرهت امرأة زوجها لإهانته وشتمه لها وتعذيبها، فقد تكره جميع الرجال، أو يظلم والد ولده ويذيقه ألوان العذاب، ويقسو عليه ويحرمه ألوان العطف والحنان.
فيكره الولد كل الآباء، وهكذا، والحقد في الغالب يكون بين الأقران، ولذلك الضرة تحقد على ضرتها، والفقير يحقد على الغني، وكل من سلب نعمة يحقد على من أنعم الله به عليها، وهكذا، وكل صاحب رئاسة يحقد على من ينازعه الرئاسة، وكل إنسان يحقد على من يتفوق عليه بشيء وإذا كان للحاقد سلطة أو قوة فإنه يسعى للانتقام من كل من يظن أنه عدو له، والحاقد فيه شبه من الكفار الذين قال الله فيهم فى كتابه الكريم فى سورة آل عمران ” وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور” فتأمل هذه الصورة الكريهة الشنيعة التي ذكرت في القرآن عن هذا الحاقد المغتاظ يعظ أنامله على من يحقد عليه.