الإسلام والعمل


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الإسلام قد حث على العمل والكسب والاحتراف والاستثمار، وأن الأمة الإسلامية غنية بما وهبها الله من موارد وطاقات وأن هذه الموارد وتلك الطاقات، لو استغلت استغلالا صحيحا في حدود القيم والأخلاق وفي حدود التخطيط السديد لأصبحت من أغني أغنياء العالم، فتقدمها ونماءها وازدهارها مصحوب بالقيم الأخلاق أولا، وبالجد والسعي والعمل ثانيا، فهذان ميزانان بهما ترقي الأمة وتتقدم، وبانعدامهما تتخلف وتصاب بانحطاط مادي وخلقي وكفي بالواقع المعاصر على ذلك شهيدا، ويجب على العامل أن يراقب الله في جميع أعماله وأحواله وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته لأن الله أقرب إليك من حبل الوريد، فقال تعالي فى سورة ق ” ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد” وقال ابن الجوزي رحمه الله الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه.

فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال، فقلوب الجهال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحقّقت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكف عن الخطايا والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط، فيا أيها العامل، إن عين الله تلاحقك أين ما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلام الليل، وراء الجدران، في الخلوات في الفلوات، ولو كنت في داخل صخور صم، هل علمت ذلك، واستشعرت ذلك فاتقيت الله ظاهرا وباطنا، فكان باطنك خير من ظاهرك، وكما يجب تقديم الكفاءات في العمل إذا كنا نريد النهوض ببلدنا ومصرنا، فمصر بها عدد لا بأس به من المواهب والقدرات وأن جميع دول العالم تستعين بالخبرات المصرية في جميع مجالات الحياة، ولذلك شدد النبى صلى الله عليه وسلم في أمر تقديم الكفاءات أيما تشديد، فقد اهتم الإسلام بقيمة العلم أيما اهتمام، ولقد بلغت عناية الله عز وجل بنا لرفع الجهل عنا.

أن كان أول ما نزل من الوحي على نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم كلمة هبط بها جبريل هي قوله تعالى ” اقرأ باسم ربك الذى خلق” وأمر الله عز وجل بالقراءة والعلم في أول آية نزلت من القرآن دليل واضح على أهمية العلم في تكوين عقل الإنسان وفي رفعه إلى المكانة السامية، فلا يستوي عند الله الذي يعلم والذي لا يعلم، فأهل العلم لهم مقام عظيم في شريعتنا الغراء، فهم من ورثة الأنبياء والمرسلين، قيقول الله تبارك تعالى فى سورة الزمر ” هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب” فلا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، فالعلم نور يهتدي به صاحبه إلى الطريق السوي، ويخرج به من الظلمات إلى النور، ويرفع الله الذي يطلب العلم والذي يعمل به كما يشاء، فقال تعالى فى سورة المجادلة ” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات”

فإن العلم أساس نهضة الأمة وقيام الحضارات، فبالعلم تبنى الأمجاد، وتسود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله تعالى على وفق شرعه، فضلا عن أن يبني نفسه كما أراد الله سبحانه أو يقدم لمجتمعه خيرا، أو لأمته عزا ومجداً ونصرا إلا بالعلم، وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قوض أركانها، وصدّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة، ويبلغ من فضل العلم أنه يرفع قدر أناس ليس لهم حسب ولا نسب فوق كثير من الأكابر، فقد روى أن نافع بن عبد الحارث أمير مكة خرج واستقبل عمر بن الخطاب بعسفان، فقال له عمر من استخلفت على أهل الوادي؟ قال استخلفت عليهم ابن أبزى، فقال عمر ومن ابن أبزى؟ فقال رجل من موالينا، فقال عمر استخلفت عليهم مولى؟ فقال إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال عمر أما إن نبيكم قد قال “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين”

فإن من عومل النهوض بالأمة في المجال العلمي أن نهتم بالمعلم والمربي وأن نشكر جهوده، ونؤدي إليه بعضا من حقه، وأن نعرف له قدره واحترامه وفضله، وإن نهضة الأمة منوط بتربية أجيال على علم وتحمل المسئولية، وما اختلت موازين الأمة، وفسد أبناؤها إلا حينما ضاع الأبناء بين أبٍ مفرط لا يعلم عن حال أبنائه، ولا في أي مرحلة يدرسون، ولا مع من يذهبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة وبين مدرس خان الأمانة، وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسؤوليته، فدور الأسرة عظيم في غرس هذه القيم في نفوس أبنائها فهم مسئولون عنهم يوم القيامة، وإن للأخلاق أهمية كبرى في الإسلام، فالخلق من الدين كالروح من الجسد، والإسلام بلا خلق جسد بلا روح، فالخلق هو كل شيء، فقوام الأمم والدول والحضارات بالأخلاق وضياعها بفقدانها لأخلاقها، واعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق، زاد عليك في الدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.