بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الإسلام دين مثالي واقعي، فهو يدعوا إلى ترك الخصومات وعدم إحداثها أصلا، وهذه مثالية، لكنه يؤدب أتباعه بأدب الخصومة فيما لو وقع بين أفرادهم صدام أو خصام، وهذه واقعية فما هي آداب الخصومة في الإسلام؟ ويجب مراقبة الله تعالى في الخصومة لأن الله تعالى مطلع الآن، وستعاد الخصومة أمامه يوم القيامة، فقد روى الترمذي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال لما نزلت الآية الكريمة ” ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون” قال الزبير يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة يوم القيامة، بعد الذي كان بيننا في الدنيا؟ قال نعم، قال إن الأمر إذن لشديد أن نقول يوم القيامة الشيطان وسس لي يا أخي هذا لا ينفعك لا يغني عنك الشيطان من الله شيئا، وقال تعالى ” كل نفس بما كسبت رهينة”
وقال تعالى ” ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر” فمهما أردت أن تقول في الخصومة فقل، لكن اعلم أن الله يراقبك، وستعرض عليه الخصومة يوم القيامة وسيطلب منك أن تعيد الكلام نفسه الذي قلته في الدنيا، فإن كان حقا نجوت وإن كان باطلا خُصمت، ومهما أردت أن تكتب في مذكرة الادعاء أو في مذكرة الدفاع في المحكمة اكتب، لكن إعلم أن الأوراق نَفسها ستعرض يوم القيامة على محكمة قاضيها رب العالمين، فإن كان ما كتبت حقا نجوت وإن كان باطلا خُصمت، مهما أردت أن تزور توقيعا أو أن تغيّر تاريخ عقد أو أن تبدل إسما مكان إسم افعل، لكن إعلم أن الخصومة ستعاد يوم القيامة أمام الله أورد السيوطي في تفسيرها ” ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون” يؤخذ للمظلوم من الظالم، وللمملوك من المالك.
وللضعيف من الشديد، وللجلحاء من القرناء حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه، فالله عز وجل يجعل دم المسلم أغلى عنده من السموات والأرض، لأنه ينطق بسرّ الله، ويُعلن توحيد الله، ويقول أفضل كلمة قالها قائل في هذه الحياة، هي مفتاح الجنة، وهي مفتاح الأمن يوم لقاء الله، وهي كلمة الإيمان والإسلام “لا إله إلا الله محمد رسول الله” بل حرّم هذا الدين أن يُعذب المؤمن بأي كيفية، بل أن يُضرب المؤمن على أعضاءه التي كرمها رب البرية، فنهى نبيكم الكريم أن يُضرب المؤمن على عينيه أو على أذنه أو على أنفه أو على رأسه أو على أي مكان في وجهه، وقال صلي الله عليه وسلم في ذلك ” من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعاقه” أي لا يُكفر عن هذا الذنب إلا أن يعتق هذا العبد ويجعله حُرّا لوجه الله عز وجل.
بل ونهى عن الضرب للإقرار بالذنب، وونهى عن التعذيب للإعتراف بالجناية، وقال في ذلك مبعوث العناية ورسول الهداية صلى الله عليه وسلم ” لا ضرب فوق عشر ضربات إلا في حدود الله” وقد يقول البعض كيف تقول هذا والدين أمر الرجال بضرب النساء؟ فنقول له يا هذا هل علمت الكيفية التي أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم أن تضرب بها النساء؟ لقد أمر بوعظهن أولا، فإن لم يكن الإنسان يستطيع وعظها أحضر لها من يستطيع وعظها، ومن تتقبل كلامه كأبيها أو أخيها أو ناصحا أو مُعلما، أو مُفهما، فإن لم تتقبل النصيحة أمره أن يهجرها في مضجعها، فينام معها ويُدير لها ظهره، ولا يترك الغرفة لأن هذا يجعلها لا تحسّ بالذنب ولا وقع ندم، وإنما ينام معها ويدير لها ظهره.
فإن لم تحس بوقع هذا الذنب يضربها ضربا قال فيه الأئمة الأعلام رضي الله عنهم يُحضر منديله، ويربطه عقدة، ويضربها به، فكأن المقصود ليس الضرب، لأنه ماذا يصنع المنديل عندما تضرب به؟ ولكن المقصود أن تحسّ بأنه غير راض عنها، وغير راض عن أفعالها، وعن سلوكها، واشترط الشرع الشريف أن يكون هذا الضرب غير مؤذي لها، ولا كاسر لعضو من أعضائها، وإلا خرج إلى حد التجريم وكان جريمة، وديننا يقيم لهذه الجريمة حكمها.