تحقيق / عبير سعيد
أكتب اليوم عن ظاهرة خطيرة جدآ وهي “الإتجار في أدوية التأمين الصحي” ..
لأن في الفترة الأخيرة إنتشر في بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الإجتماعي أنباء بشأن وجود نقص في أدوية الأمراض المزمنة بمستشفيات منظومة التأمين الصحي الشامل .. وقد قام المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بالتواصل مع هيئة الدواء المصرية .. والتي نفت تلك الأنباء .. مؤكدة أنه لا صحة لوجود أي نقص في أدوية الأمراض المزمنة بمستشفيات منظومة التأمين الصحي الشامل .. مشددة على توافر جميع الأدوية بما فيها أدوية الأمراض المزمنة بكافة المستشفيات سواء الحكومية أو التأمين الصحي .. وأن مخزونها الإستراتيجي آمن ومطمئن تماما، حيث يتم التنسيق مع هيئة الشراء الموحد لتوفير أي نواقص من الأدوية أو المستلزمات الطبية .. مشيرة إلى تكثيف الحملات الرقابية على جميع منافذ صرف وبيع الأدوية .. وذلك حرصا من الدولة على تأمين إحتياجات المواطنين من الأدوية .. وتعمل الهيئة حاليا من خلال إستراتيجية استباق الأحداث والتنبؤ المبكر بنواقص الأدوية .. ويتم ذلك من خلال متابعة مخزون الأدوية الهامة والحيوية كمجموعات أدوية (الأنسولين، الضغط، الرعاية، الطوارئ، السكر، الأورام، صبغات الأشعة، الشلل الرعاش، مشتقات الدم، المناعة، المحاليل الوريدية، التخدير، أدوية علاج أعراض فيروس كورونا) .. بهدف تغطية إحتياجات السوق المحلي، وكذلك المستشفيات الحكومية من خلال التنسيق مع هيئة الشراء الموحد ..
ومن خلال تكثيف الحملات الرقابية على جميع منافذ صرف وبيع الأدوية .. وجد أن هناك إتجار في أدوية التأمين الصحي .. حيث قامت بعض الصيادلة بشراء وبيع أدوية التأمين الصحي من خلال صيدلياتهم العامة لغير المستحقين من جمهور المرضى .. وتلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا حول حكم قيام بعض الصيادلة بشراء وبيع أدوية التأمين الصحي من خلال صيدلياتهم العامة لغير المستحقين من جمهور المرضى، مع العلم أنه لا يجوز صرفها إلا من هيئة التأمين الصحي وليس من الصيدليات العامة .. مما يضيع الكثير من الأموال من الميزانية العامة للدولة .. وقالت دار الإفتاء عبر الصفحة الرئيسية لموقعها الرسمي إن قيام بعض الصيادلة بالاتجار في أدوية التأمين الصحي المدعومة والمخصصة لذوي الحاجة من خلال صيدلياتهم العامة حرام شرعا .. لما فيه من إعتداء على المال العام .. وظلم وعدوان على حقوق الناس وأكلها بالباطل .. ومخالفة لولي الأمر الذي جعل الله تعالى طاعته في غير المعصية مقارنة لطاعته تعالى وطاعة رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .. كما أن معاونتهم على ذلك من قبل بعض العاملين بوزارة الصحة أو المستأمنين على إيصال هذا الدواء إلى مواضعه المخصصة له تعد من خيانة الأمانة ..
وفي تفاصيل الفتوى قالت دار الإفتاء إن العلاج هو من الإحتياجات الأساسية التي تدعمها الدولة .. وتلتزم بتوفيره للمواطنين حتى لو ارتفعت أسعار التكلفة أو الأدوية .. وتتحمل الدولة أعباء ذلك من أجل القضاء على المرض، وأن تستفيد منه شرائح المجتمع كافة، خاصة الفقراء منهم .. باعتباره حاجة أساسية وضرورية، ولتضع بذلك حدا للتلاعب باحتياجات الناس الأساسية، وهي أيضا طريقة من طرق سد حاجة محدودي الدخل ورفع مستواهم المادي بإيصال المال إليهم بصورة غير مباشرة، وهي صورة الدعم، وهذا كله من الواجبات الشرعية على الدول والمجتمعات تجاه مواطنيها، خاصة محدودي الدخل منهم .. وأكدت الدار أن قيام بعض الصيادلة بشراء وبيع أدوية التأمين الصحي من خلال صيدلياتهم العامة لغير المستحقين من جمهور المرضى يعد شرعا ضربا من ضروب الإعتداء على المال العام .. وفي ذلك ظلم بين وعدوان على حقوق الناس وأكل لها بالباطل .. وفي ذلك يقول الله تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «إنَّ دِماءكم وأَموالَكم وأَعراضَكم عليكم حَرامٌ كحُرمةِ يَومِكم هذا في بَلَدِكم هذا في شَهرِكم هذا» رواه الشيخان عن أبي بَكرةَ رضي الله تعالى عنه .
إن بيع الدواء المدعوم لمن لا يستحقه حرام شرعا .. من حيث كونه استيلاء على مال الغير بغير حق، ويزيد في كبر هذا الذنب كون المال المعتدى عليه مالًا للفقراء والمحاويج مِن المرضى الذين يحتاجون إلى من يرحمهم ويأسو جراحهم ويخفف أمراضهم، لا إلى من يضرهم وينتقص من حقهم في العلاج والدواء ويعتدي عليه بصورة مباشرة أو غير مباشرة .. كما أكدت دار الإفتاء أن قيام العاملين بوزارة الصحة أو من استؤمن على إيصال هذا الدواء إلى مواضعه المخصصة له ببيعه لمن لا يستحقه ولمن لم يؤذن لهم في بيعه لهم يعد أيضا خيانة للأمانة التي ائتمنهم الله تعالى عليها ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وائتمنهم عليها المجتمع الذي عاشوا في ظلاله، وأكلوا من خيره .. فهم بذلك داخلون في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: 58]، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]، كما أن في فعلهم هذا تبديدا للمال العام لأنهم مستأمنون على هذا الدواء المدعوم حتى يحصل عليه المواطنون من غير عناء، فتفريطهم في الأمانة ببيعهم هذا الدواء للجشعين ليبيعوه للناس بأغلى من سعره، أو ليستعملوه في غير ما خصص له هو مشاركة لهم في الظلم والبغي والإستيلاء على حقوق الناس، وناهيك بذلك ذنبا وجرما .. فهم مرتكبون بذلك لهذه الكبائر من الذنوب التي لا طاقة للإنسان بأحدها، فضلا عن أن تتراكم عليه أحمالها ..
واختتم الفتوى بقولها : «كما أن في فعلهم هذا مخالفة لوليِ الأمر الذي جعل الله تعالى طاعته في غير المعصية مقارنة لطاعته تعالى وطاعة رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، والله سبحانه وتعالى أعلم».
وفي النهاية .. نناشد جميع وسائل الإعلام ومرتادي مواقع التواصل الإجتماعي تحري الدقة والموضوعية في نشر الأخبار، والتواصل مع الجهات المعنية للتأكد قبل نشر معلومات لا تستند إلى أي حقائق، وتؤدي إلى إثارة البلبلة والقلق بين المواطنين.
وحدد قانون التأمين الصحي الإجتماعي الشامل عقوبة من يقدم بيانات غير صحيحة أو ساعد فى الحصول غير المستحق على خدمات ومزايا التأمين الصحي الشامل ..
ونص القانون على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أعطى بيانات غير صحيحة أو امتنع عن إعطاء البيانات المنصوص عليها في هذا القانون أو في اللوائح المنفذة له، إذا ترتب على ذلك الحصول على أموال من الهيئة بغير حق ..
فيما تنص المادة (62) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من منع العاملين بالهيئة ممن لهم صفة الضبطية القضائية من دخول محل العمل أو لم يمكنهم من الاطلاع على السجلات والدفاتر والمستندات والأوراق التى يتطلبها تنفيذ هذا القانون أو تعمد عن طريق إعطاء بيانات خاطئة عدم الوفاء بمستحقات الهيئة ..
ووفقا للمادة 63، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز خمسة وسبعين ألف جنيه أو بأحدي هاتين العقوبتين كل عامل في الهيئة، أو أحد المتعاقدين معها من الأطباء أو الصيادلة أو الفريق الطبى أو غيرهم سهل للمؤمن عليه أو لغيره ممن تتولي الهيئة تمويل تقديم الرعاية الطبية إليه الحصول علي أدوية أو خدمات أو أجهزة تعويضية بغير حق أو لا تتطلب الأصول الطبية صرفها له وفق ما تراه اللجان المتخصصة فى ذلك بناء على البروتوكولات الطبية ..
ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من صرفت له أدوية أو أجهزة تعويضية ثم تصرف فيها إلي غيره بمقابل وكذلك المتصرف إليه وكل من توسط في ذلك إذا كان يعلم بأنها صرفت بناء علي نظام التامين الصحي الاجتماعي الشامل، وفي جميع الأحوال تحكم المحكمة بمصادرة الأدوية أو الأجهزة التعويضية لصالح الهيئة أو رد قيمتها في حالة تلفها او هلاكها.