بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما” وذلك تيسيرا للذبح، وتسهيلا، وحتى لا يتحرك الحيوان ويضطرب عند ذبح، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالمدينة، وكذلك المسلمون فهي سنة مؤكدة إلى قيام الساعة، وقال عدد من العلماء بوجوبها على القادر المستطيع، فقال صلى الله عليه وسلم “من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا” فعلى كل أهل بيت في كل عام أضحية، وإن استسمانها، واستحسانها، خالية من العيوب هو من تعظيم شعائر الله، والالتزام بالوقت الشرعي في ذبحها، ويدل هذا التعظيم على التقوى في قلبه، ولذلك كان الذبح أفضل من التصدق بأضعاف ثمن الأضحية، فقال سعيد بن المسيب رحمه الله “لئن أضحي بشاة أحب إليّ من أن أتصدق بمائة درهم” فلعلها تشهد يوم القيامة لصاحبها بقرونها، وأشعارها، وأظلافها، وحتى المكان الذي يقع عليه دمها.
والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وقد جعل الله للفقراء فرجا ومخرجا، وكل من لا يستطيع أن يضحي فقد ضحى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “باسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي” وهكذا ذهب الفقراء من هذه الأمة وغير المستطيعين بنصيب من الأجر بسبب ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وإن بهيمة الأنعام هى الإبل والبقر والغنم، وأن تبلغ السن المحدودة شرعا، فلا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن، والجذع من الضأن ما له ستة أشهر ودخل في السابع، والمسنة الثنية فما فوقها، والثني من المعز ما أتم سنة ودخل في الثانية، والثني من البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة، والثني من الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة، ولابد أن تكون ملكا مباحا للمضحي فلا تضحية بمغصوب، ولا مسروق، ولا مأخوذ بدعوى باطلة، ولولي اليتيم أن يضحي عنه من ماله إذا جرت بذلك العادة.
وربما انكسر قلبه بعدم التضحية، ويشترط في الأضحية أن تكون خالية من العيوب، طيبة، والله لا يقبل إلا الطيب، وكذلك أخبر البراء بن عازب قال “قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “أربع لا تجوز في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقى” أي لا مخ في عظامها لهزالها، ولذلك قال العلماء لا تجوز التضحية بالعوراء، ولا العمياء، ولا يجوز التضحية بالشاة التي قطعت أذناها، وكذلك مقطوعة الأذن، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بعضباء الأذن، والقرن، والأعضب النصف فما فوقه، إذا ذهب أكثر من النصف، وكذلك لا يضحي بمقطوعة الذنب، وأما التي لا ذنب لها بأصل الخلقة فلا بأس، ولا يضحي بمقطوعة الألية، ولا بأس بالتي لا ألية لها أصلا، وتكره التضحية بمشقوقة الأذن، المدابرة، والشرقاء، والمقابلة، والخرقاء التي في أذنها خرقا.
وكذلك التي ذهبت قطع من مقدمة الأذن، وقطع طرفه، ومن مؤخره، وشقه، وثقبه، فتكون سليمة، وأما هذه الأشياء فمكروهة في الأضحية، ولو اشترى أضحية خالية من العيوب، ثم طرأ عليها عيب دون تقصير منه فلا يكلف بشراء أخرى، لما في ذلك من المشقة، وتذبح بعد طلوع الشمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الأضحى، ومرور وقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين بالنسبة لأهل البوادي الذين لا صلاة عيد لديهم، فيقدرون هذا بمرور وقته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا” ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجله لأهل ليس من النسك في شيء، ويمتد وقت الذبح إلى نهاية أيام التشريق، هذا اختيار بعض العلماء، يوم العيد، وثلاثة أيام بعده، فهي أربعة أيام عند بعضهم وثلاثة عند آخرين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
“كل أيام التشريق أيام ذبح، وقال أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ” وقال ابن القيم رحمه الله “إن الأيام الثلاثة تتفق في كونها أيام منى وأيام تشريق ويحرم صومها، ويشرع التكبير فيها” فهي إخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع، فمغرب يوم الثالث عشر من ذي الحجة على هذا القول آخر وقت للذبح، وأفضل وقت اليوم الأول بعد فراغ الناس من الصلاة، والإمام من الخطبة، وإن الأفضل من الأضاحي جنسا، كما قال بعض العلماء الإبل، وقال بعضهم الكبش، والأفضل من الأضاحي صفة الأسمن، والأكثر لحما، والأكمل خلقة، والأحسن منظرا، فبدلا من أن يتباهوا بملكات الجمال في البهائم، فليرونا الأحسن منظرا في الأضاحي، وأفضل الأضاحي لونا، وقال النووي رحمه الله البيضاء، ثم الصفراء، ثم الغبراء، وهي التي لا يصفو بياضها، ثم البلقاء وهي التي بعضها أبيض، وبعضها أسود، ثم السوداء.
وقال ابن قدامة رحمه الله “والأفضل في الأضحية من الغنم في لونها البياض” ويدل على ذلك ما ورد في حديث أنس بن مالك “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده” وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله “الأملح هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر” وقد ذبح النبي صلى الله عليه وسلم كبشا ينظر في سواد، أي ما حول عينيه أسود، ويبرك في سواد، أي ما حول ركبتاه أسود، ويطأ في سواد كذلك ما حول الأقدام، وكان الباقي أملح وهو الأبيض الذي قد اغبر شيئا ما، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بواحدة عنه وعن آل بيته، فيسعك أنت وأهل بيتك واحدة من الأحياء والأموات، ويجوز أن يضحي بأكثر من واحدة، ولكن لا لتباهي، ولا للتفاخر بهذا، وإنما ليطعم هو وأهل بيته، وكذلك يتصدق، ويهدي منها، تتسع البقرة والبدنة لسبعة، وأما الشاة فلا تجزئ إلا عن واحد، وهكذا وردت الأدلة.