بقلم / هاجر الرفاعي
عندما سعى الإنسان إلى أداء العبادات من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، فإنه ليس هناك موضوع على الإطلاق أخطر ولا أهم إلى نفس المؤمن من موضوع الحلال والحرام، لأن الإنسان إذا اقترف الحرام كان الحرام حجابا بينه وبين الله، فإن العلوم الدينية علوم كثيرة جدا، فهى علوم أدوات، وعلوم فرعية، وعلوم فقهية، فما من موضوع على الإطلاق أخطر في حياة المؤمن بعد إيمانه بالله من موضوع الحلال والحرام، وقبل أن نمضي في الحديث عن الحلال والحرام في حياة الإنسان الشخصية، في طعامه وشرابه، وفي علاقاته الاجتماعية، في زواجه، في كسبه للمال، في إنفاقه للمال، في سفره، في حله وفي ترحاله، قبل أن نمضي في هذه الموضوعات، لابد من أن نتحدث عن حقائق أساسيه وقواعد كلية في الحلال والحرام.
وإن من أول هذه القواعد الكلية في الحلال والحرام أن الأصل في الأشياء الإباحة، والأصل أن كل شيء مباح لماذا؟ وما الدليل؟ لقول الله عز وجل فى سورة البقرة ” هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا” ولقول الله عز وجل كما جاء فى سورة الجاثية “وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه” ولقول الله عز وجل كما جاء فى سورة لقمان ” ألم تروا أن الله سخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير” فإن أى قضية سكت عنها الدين قضية مباحة، فالأصل في الأشياء الإباحة لذلك لا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح، إذن النص غير صحيح أو النص صحيح ولكن غير صريح، نعود إلى أصل القاعدة.
وهو الأصل في الأشياء الإباحة لا تحريم إلا بنص صريح صحيح، فأى قضية سكت عنها الدين إذن هي مباحة، فأصل القاعدة أن كل شيء مباح في الأصل، ما لم يرد في تحريمه نص صحيح صريح، ولو اعتمدت على نص غير صحيح هذا الشيء يبقى على أصل القاعدة مباحا، ولو اعتمدت على نص صحيح، لكن دلالته ليست قطعية، يرجع الحكم إلى أن هذا الشيء مباح وفق القاعدة الأصلية الأولية، فالقاعدة الأولى في الحلال والحرام أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح صريح من قبل الله عز وجل في كتابه، أو من دوام النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، لذلك موضوع الحلال والحرام لا يستطيع إنسان كائن من كان أن يقول لك هذا حلال وهذا حرام إلا بالدليل، فإذ قال إنسان هذا الشيء حرام.
فقل له أين الدليل؟ ليس تحليل الحرام أو ليس تحريم الحلال بأقل إثما وخطرا وانحرافا من تحليل الحرام، سيّان أن تحلل حراما أو تحرم حلالا، فإن بطولة الإنسان ليس فى تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل، فإن أول قاعدة هى الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صريح صحيح في تحريمها، لذلك المؤمن لا يعمل فكره إلا بالطريقة التالية، إن كنت ناقلا فالصحة، إن كنت مدعيا فالدليل فلا يقبل شيئا محرما إلا بالدليل القطعي، وطالبه بنص صحيح، قرآن كريم، حديث صحيح، حديث متواتر، حديث حسن، وطالبه بدلالة واضحة صريحة، أما أن تعتمد نصا ضعيفا، أو موضوعا، أو أن تعتمد مدلولا ظنيا، فهذا لا يجعل هذا الشيء حراما، وبالمناسبة أى إنسان مهما كان علمه محدودا.
بإمكانه أن يقول لك هذا حرام، لكن البطولة ليس في تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل، هذا حلال وهذا الدليل، فإن هذا الشرع من عند خالق الكون، من عند الصانع، من عند الخبير، فعندما يتطاول الإنسان ويحرم ما أحله الله، أو يحلل ما حرمه الله، فقد ارتكب إثما كبيرا، لذلك لا أبالغ إن قلت إن أكبر معصية على الإطلاق رغم أن هناك إثم، هناك عدوان،هناك فحشاء، هناك منكر، هناك نفاق، هناك شرك، هناك كفر، وفوق كل هذه وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون، أن تحلل حراما أو تحرم حلالا، الدليل العقلى أن الله لا يعقل أن يخلق شيئا من أجل الإنسان ثم يحرمه عليه، شيء عبس، يخلق ما في الكون من أجل الإنسان ثم يحرم هذه الطيبات على الإنسان؟ أما إذا حرم بعض هذه الجزئيات فالحكمة بالغة.
فإن في الشرع الإسلامي أشياء أمرنا الله تعالى بها، وفي الشرع الإسلامي أشياء نهانا الله تعالى عنها، وفي هذا الشرع العظيم أشياء كثيرة جدا سكت الله عنها لم يأمرنا بها ولم ينهنا عنها هي المباحات، لذلك يمكن أن نقول هناك أمر واجب، وفرض، وواجب مستحب أو مندوب، ومباح، ومكروه تنزيها، ومكروه تحريما، وحرام، فيجب أن يعمل عقل المؤمن دائما، كل حركة، كل سكنة، كل تصرف، كل موقف، يجب أن يصنفه في أحد هذه الأحكام الستة، فرض، واجب، مندوب، مباح، مكروه تنزيها تحريما، حرام، والتحليل والتحريم هو الذي حلله الله تعالى وحرمه الله تعالى.