بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم الاثنين الموافق 30 ديسمبر 2024
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأصلي وأسلم وأبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن إهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد، إن المتأمل في نصوص الشريعة الإسلامية الغراء سيجدها مبنية على السماحة واليسر ورفع الحرج، بل إن التيسير ورفع الحرج أصل من أصول الشريعة الإسلامية، فكما قال الإمام الشاطبي إن الأدلة على رفع الحرج عن هذه الأمة بلغت مبلغ القطع، وقد نقل الإمام ابن القيم رحمه الله عن بعض السلف “إن دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه” وإن الله تبارك وتعالى وضع هذه الشريعة المباركة حنيفية سمحة سهلة محببة إلى نفوس الخلق، ولو عملوا بخلاف ذلك لدخل عليهم من الحرج والمشقة والعنت ما لايعلمه إلا الله.
فقد حبب الله تعالي إلينا الإيمان بتيسيره وتسهيله، وزينه في قلوبنا بذلك، وبالوعد الصادق بالجزاء عليه، وإن من الأسباب المعينة على الصبر هو المعرفة بطبيعة الحياة الدنيا، حيث أنه من عرف طبيعة الدنيا وما جبلت عليه من الكدر والمشقة والعناء هان عليه ما يبتلى به فيها لأنه وقع في أمر يتوقعه، والشيء من معدنه لا يستغرب، وقد عرفنا الله بهذه الحقيقة فقال تعالي “لقد خلقنا الإنسان في كبد” أي في مشقة وعناء، وقال “ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه” وبين جل جلاله أنها لا تدوم على حال بل يوم لك ويوم عليك فقال تعالي “إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس” وإن من لا يعرف هذه الحقيقة سيفاجأ بوقائع الأحداث تصب على رأسه صبا فيظن أنه الوحيد من بين بني الإنسان الذي يصاب بذلك لشؤمه وسوء حظه.
ولذلك يبادر بعضهم بالإجهاز على نفسه بالإنتحار، لأنه ما علم أن لكل فرحة ترحة وما كان ضحك إلا كان بعده بكاء، وما ملئ بيت حبرة إلا ملىء عبرة، وما عبت دار من السرور إلا عبت من الحزن، وأنه لو فتش العالم لم يري فيه إلا مبتلى، إما بفوات محبوب أو حصول مكروه، وأن سرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا وإن سرت يوما أساءت دهرا وإن متعت قليلا منعت طويلا، وكما أن من الأسباب المعينة على الصبر هو معرفتك بأنك وما بيدك ملك لله تعالى ومرجعك إليه، فقال تعالى ” ومابكم من نعمة فمن الله” وقد علمنا في كتاب ربنا أن نقول عند حلول المصائب ” إنا لله وإنا إليه راجعون” ويقول ابن القيم “وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب، وأنفعه له في عاجلته وآجلته، فإنها تتضمن أصلين عظيمين.
إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته، وأحدهما وهو أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل، وقد جعل عند العبد عارية، وأيضا فإنه محفوف بعدمين، عدم قبله، وعدم بعده حتى يكون ملكه حقيقة، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده، ولا يبقى عليه وجوده، فليس له فيه تأثير ولا ملك حقيقي، وأما عن الثاني وهو أن مصير العبد ومرجعه إلى الله تعالي مولاه الحق، ولابد أن يخلف الدنيا وراء ظهره، ويجيء ربه فردا كما خلقه أول مرة، بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات، فإذا كانت هذه بدايته ونهايته، فكيف يفرح بموجود ويأسى على مفقود؟ ففكره في مبدئه ومعاده أعظم علاج هذا الداء، ولذلك يقال عند تعزية المصاب “إن لله ماأخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى”
وقد أدركت أم سليم هذا المعنى عندما توفي إبنها، فلما جاء أبوه أبو طلحة يسأل عنه قالت قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد إستراح وهي تعني الموت، وقد ظن أنها تريد النوم لمجيء العافية، وكانت قد هيأت نفسها لزوجها فتعرضت له فأصاب منها فلما أراد الخروج لصلاة الفجر، قالت له يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال لا، إن العارية مؤداة إلى أهلها، فقالت إن الله أعارنا فلانا ثم أخذه منه فإسترجع وقال إنا لله وإنا إليه راجعون”