بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه في ظل انعدام الأمن لا تنهض أمة ولا تقوم حضارة، ألم تجد أن الله تعالى منّ على ثمود قوم صالح بنعمة الأمن التي كانت من أسباب نهضة دولتهم وقيام حضارتهم؟ فلو انعدم الأمن ما استطاعوا أن ينحتوا بيوتا من الخشب فضلا عن الجبال، ولهذا امتن الله على سبأ حيث أسكنهم الديار الآمنة، فتمكنوا من بناء حضارتهم، وتشييد مملكتهم، وإنه في ظل انعدام الأمن يئن المريض فلا يجد دواء ولا طبيبا، وتختل المعايش، فتهجر الديار، وتفارق الأوطان، وتتفرق الأسر، فلا توصل الأرحام، وتنقَض العهود والمواثيق، ويتعسر طلب الرزق، وتتبدل طباع الخلق، فيظهر الكذب ويغيب الصدق، ويصدق الكاذب ويكذب الصادق.
ويؤتمن الخائن ويخون الأمين وتقتل نفوس بريئة، وترمَّل نساء، ويُيتم أطفال ولا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين، وإن أثر الأمن لا يقتصر على التنمية وقيام الحضارة ونهضة الأمة اقتصاديا واجتماعيا فحسب، بل يؤثر ذلك على أداء العبادات والطاعات والمناسك لله رب العالمين، فالعبادة لا يتأتى القيام بها على وجهها إلا في ظل الأمن، ولو انتقلنا إلى عملية نشر الدعوة الإسلامية نجد أن انتشارها يكون في وقت الأمن أكثر من غيره من الأوقات، وهكذا نعلم أن للأمن أثره الفعال في التنمية ونهضة الأمة في جميع مجالات الحياة، فبالأمن تصلح الحياة، وتنبسط الآمال، وتتيسر الأرزاق، وتزيد التجارات، وبالأمن تفشو معه الماشية.
وتكثر الأمة، وبالأمن تتقدم معه التنمية، وينتشر فيه العلم والتعليم، ويعز فيه الدين والعدل، ويظهر فيه الأخيار على الأشرار، وتوظف فيه الأموال في كل مشروع نافع للفرد والمجتمع، وفي ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتا، والطعام هنيئا، والشراب مريئا، فالأمن والأمان هما عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها، وإن الإيمان هو أساس الأمن واشتقاقه اللغوي مشتق من الأمن الذي هو ضد الخوف والإيمان أمن وطمأنينة واستسلام وانقياد, لأن المؤمن يدفعه إيمانه القوي إلى فعل المأمورات ويردعه عن المنهيات وكلما عظم العبد إيمانا عظم حظه من الأمن.
فإذا انتفى الخوف حصل الأمن والسعادة، فالأمن لزيم الإيمان وقرينه، والسلامة لزيمة الإسلام وقرينته، فمن أراد الأمن والسلامة فعليه بالإيمان والإسلام، ولهذا يربي الإيمان أهله ليحصل به سعادتهم، فإذا وجد الإيمان بين أهله حصلت لهم السعادة الدائمة، وكما أن التوحيد والعبادة أمن في الدنيا والآخرة، فلا أمن إلا بإقامة العبادة الخالية من شوائب الشرك، فلا يُدعى غير الله، ولا يُستغاث إلا بالله، ومن أهم وسائل تحقيق الأمن في المجتمع، هو نشر الوعي بين الناس وتفقيههم في الدين فإن العلم والخير إذا انتشر بين الناس تحقق فيهم الأمن وهذا مطلب يلزم الدعاة والخطباء والمعلمين ولا ينشأ في المجتمع ما يخلل أمنه إلا بسبب نقصان العلم أو فساده.
ومما يجب علينا حفظه، أن نحفظ عقول المسلمين مما يفسدها ويضر بها، سواء كانت مفسدات مادية أو مفسدات معنوية، كالتصورات الفاسدة والأفكار المنحرفة، وإن المحافظة على عقول الناس من أهم أسباب حفظ الأمن لأن الناس لو استقامت عقولهم، صاروا يفكرون فيما ينفعهم ويبتعدون عما يضرهم، فلو استقامت عقول الناس لاستقامت حياتهم لأنهم سوف يبحثون عما يرضي الله فيفعلونه، ويتعرفون على ما يغضب الله فيبتعدون عنه، إذن هناك علاقة كبيرة بين المحافظة على عقول الناس وبين استقرار الأمن عندهم لأن مما يذهب بأمن الناس انتشار المفاهيم الخاطئة حيال نصوص القرآن والسنة، وعدم فهمهما بفهم السلف الصالح.