د. محمود محمد علي
يعد إحسان عبد القدوس من الشخصيات المهمة فى تاريخ مصر الحديث فهو كاتب صحفى متميز وعلى قدر من الشجاعة، ويمتاز برقة وحساسية شديدة، فقد كتب عن الديانات فى المجتمع المصرى ، وتمتع بعلاقة وثيقة مع بعض العائلات اليهودية ، وتناول فى كتاباته ظاهرة الانفتاح الثقافى والتعددية الدينية لدى المصريين، كما تعرض للعائلات اليهودية وتمتعها بكل مظاهر الارستقراطية المصرية من قوة اقتصادية ونفوذ سياسى وجاه اجتماعى وحرية دينية ، ولذلك قال عنه بعض الباحثين بأنه من :” أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا فى قصصهم الحب العذرى وتحولت أغلب رواياته لأفلام سينمائية، وقد أنجز نقلة نوعية متميزة فى الرواية العربية، ونجح فى الخروج بها من المحلية إلى العالمية، حيث ترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة. كما مزج بين الكتابة الادبية و المجال السياسي” .
وقال عنه آخرون بأنه يمثل الكاتب الشامل، حيث يمثل أدب إحسان عبد القدوس نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة، كما يمثل نموذج فذ فى قبول الأخر وتبنى الابداع واحترام الاصوات المختلفة معه سياسيا وكيف كان إنسانا بمعنى الكلمة.ورغم ظلم النقاد له لكن الجماهير انصفته عندما قرأت ابداعه. كما انصفته السينما عندما اصبح أدبه أفلاما تعد من علامات السينما المصرية المميزة التي لا يمكن لأحد تجاهله عند دراسة تاريخ السينما المصرية أو لدى محاولة التعرف على صورة المرأة فى الأعمال الفنية، حيث قدم «إحسان» ما يزيد على 40 عملاً للسينما منها أعمال مأخوذة عن الرواية ومنها ما هو مكتوب خصيصاً للسينما، واعتبر النقاد أن السينما استفادت من المشروع الإبداعى لإحسان عبدالقدوس بشكل كبير، بسبب التوافق بين مشروعه الذى يتناول المرأة بشكل أساسى ودور المرأة فى الواقع .
نعم استطاع عبد القدوس بأعماله إيجاد النوع من التوافق بين مشروعه فى الحديث عن المرأة بأعماله والمرأة فى الواقع، فكان من الطبيعى أن تلتفت السينما إلى أعماله فى مجملها حتى التى لا تتناول قضايا المرأة مثل (فى بيتنا رجل)، مشيراً إلى أن من أهم خصائص إبداعه أنه كان بارعاً فى رصد النماذج النسائية فى رواياته، والتى كان يوظف قضاياها حتى فى المعانى السياسية، فهو لم يكن بالضرورة يقصد المرأة للمرأة فى كل أعماله، فقد يقصد الحرية مثلاً، فقد عكس تجربته الشخصية مع الحرية فى رواية وفيلم «أنا حرة» كما تحدث عن الطبقة التى لم تكن السينما قد تناولتها من كافة جوانبها، وهى الطبقة المرفهة التى تناولها فى عدد من الأعمال مثل فيلمى «النظارة السوداء» و«أنف وثلاث عيون» وغيرهما .
علاوة علي أن أعمال «عبدالقدوس» إضافة مهمة جداً للسينما، وأنه من أكثر الكتاب الذين انتبهت السينما لأعمالهم الروائية واهتمت بتحويلها إلى أفلام، لأنه واكب فى كتاباته مرحلة تغير اجتماعى كبير جداً فى دور الفتاة المصرية، وقدم نماذج مختلفة للمرأة المصرية على الشاشة، خاصة بعد ثورة 23 يوليو 1952، فقد انفتح الباب لتقديم أشكال مختلفة من النماذج النسائية، بل ظهرت نجمات بالسينما تمثل هذه النماذج مثل لبنى عبدالعزيز حيث كانت أقرب الفنانات شبهاً ببطلاته، كونها مثقفة تخرجت فى الجامعة الأمريكية، وهى فى الواقع تشبه الشخصيات التى قدمتها فى هذه الأعمال، واكتفى بنموذج البنت المغلوب على أمرها، سواء فى الواقع أو فى السينما، خصوصاً بعد 1956 .
ورغم ذلك لم يلقَ التكريم المستحق من جانب الدولة المصرية التي منحته جائزتها بعد وفاته، وكأنها نوع من الترحم، أو قراءة الفاتحة على روحه». والسبب في ذلك إلى كونه كاتباً جريئاً وغير تقليدي، وكانت الدولة لا تنحاز لهذا النوع من الكتابة، بل تعطي جوائزها للكتاب التقليديين.
ولد إحسان عبد القدوس في الأول من يناير عام 1919، أمه هي فاطمة اليوسف، أو روز اليوسف، لبنانية الأصل، نشأت يتيمة، إذ فقدت والديها منذ بداية حياتها، واحتضنتها أسرة مسيحية صديقة لوالدها، وهي في الثامنة من عمرها، وأطلقوا عليها اسم روز، رغم أنها كانت تعلم أن اسمها فاطمة، وأثناء هجرتها معهم إلى أمريكا، رست الباخرة في ميناء الإسكندرية، فطلب الفنان إسكندر فرح من الأسرة، التنازل عن الفتاة ليتولاها، وقد كان صاحب فرقة مسرحية، فوافقت الأسرة، ومن هنا كانت بداياتها الفنية، فعملت ممثلة بالفرقة، وقدمت أشهر الشخصيات بعبقرية فذة، مثل غادة الكاميليا وغيرها، ثم تعرفت على المهندس محمد عبد القدوس في حفل، وقد كان من هواة الفن، فأعجبت به، وتزوجا، واحترف التمثيل، وكان يكتب للمسرح، ولكنه كان ينتمي لأسرة محافظة ترفض الفن، فأبوه الشيخ رضوان من خريجي الأزهر، ونشأ إحسان وسط هذا الجو، حيث تربى في بيت جده المتدين، ثم انتقل لبيت والدته الفنانة والصحفية، فهي سيدة متحررة، تفتح بيتها لعقد الندوات الثقافية والسياسية، لكبار رجال الفن والسياسة، فكان لذلك “تأثير كبير على نشأته حيث جمعت أسرته بين عدة تناقضات فى وقت واحد فجده لوالده هو الشيخ رضوان، أحد خريجى الأزهر، بينما عشقت والدته ووالده الفن مما أثر عليه وأحدث له تغيرات خاصة بالدين والحياة الواقعية ، ورغم حرص جده على تنشئة أفراد العائلة على الإيمان العميق وارتباطهم بالاسلام ، فإن إحسان كان يعد نفسه كأديب، وساعده فى ذلك قراءته بالانجليزية للأدب العالمى” .
وإحسان عبد القدوس، الكاتب الشامل، والذي يعد من أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب البعيد عن العذرية وتحولت أغلب قصصه إلى أفلام سينمائية، تحل ذكره مولده المائة اليوم، إذ ولد في 1 يناير 1919، وتوفي في 12 يناير 1990 عن عمر ناهز 71 عامًا.
يمثل أدب إحسان عبد القدوس نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة، وهو ابن السيدة روز اليوسف اللبنانية المولد وتركية الأصل وهي ُمؤَسِسَة مجلة روز اليوسف ومجلة صباح الخير، أما والده فهو محمد عبد القدوس كان ممثلاً ومؤلفاً مصري.
وإحسان عبدالقدوس، هو ابن قرية الصالحية بمحافظة الشرقية، والذي جاء ليدرس في الأزهر، وليتخرج من الجامع ويتقدم للعمل الحكومي، فشغل منصب رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، وبالتزامن درس في مدرسة خليل آغا بالقاهرة 1927-1931م، ثم في مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة 1932م-1937م، وتخرج من كلية الحقوق عام 1942، وفشل في أن يكون محامياً. ويتحدث عن فشله هذا فيقول: “كنت محامياً فاشلاً لا أجيد المناقشة والحوار وكنت أداري فشلي في المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت وهو أمر أفقدني تعاطف القضاة، بحيث ودعت أحلامي في أن أكون محامياً لامعاً.
تولى إحسان عبد القدوس رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، وكان عمره وقتها 26 عاماً، وهي المجلة التي أسستها والدته ولكن لم يمكث طويلاً ليقدم استقالته بعد ذلك، ويترك رئاسة المجلة لأحمد بهاء الدين، ويتولى بعدها رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم من عام 1966 إلى عام 1968، ومن ثم عين في منصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير في الفترة بين 1971 إلى 1974.
وقد كتب “عبدالقدوس” ما يقرب من 600 رواية وقصة قصيرة وترجمت العديد من رواياته الى الانجليزية والفرنسية والالمانية والصينية والاوكرانية وانتقد فى رواياته التفكك الاجتماعى، كما نشر سلسلة مقالات للدكتور مصطفى محمود حول فلسفة الدين واعتبر عبد الناصر ان هذه المقالات تحمل طابعا إلحاديا، وقد تعرضت بعض اعماله للمنع من الجهاز الرقابى على المصنفات الفنية . إلا أن الغالبية العظمى من المبدعين والصحفيين اتفقوا على أن احسان كاتب صحفى متميز وعلى قدر من الشجاعة ويمتاز برقة وحساسية شديدة، فقد كتب عن الديانات فى المجتمع المصرى ، وتمتع بعلاقة وثيقة مع بعض العائلات اليهودية ، وتناول فى كتاباته ظاهرة الانفتاح الثقافى والتعددية الدينية لدى المصريين، كما تعرض للعائلات اليهودية وتمتعها بكل مظاهر الارستقراطية المصرية من قوة اقتصادية ونفوذ سياسى وجاه اجتماعى وحرية دينية .
وروايات “عبدالقدوس” تشبه السينما، والسينما المصرية فى ذلك الزمن كانت تشبه رواياته، والجمهور كان من الطبقة المتوسطة، فى مرحلة ما قبل الانفتاح الاقتصادى الذى تغيرت بعده نوعية الجمهور، وكانت أعمال «إحسان» تُقدم الطبقة المتوسطة فى الأعمال، فهم يذهبون للسينما ليشاهدوا حكاياتهم، ففيلم «أنا حرة» لا يناسب إلا بيئة معينة ونوعاً خاصاً من الجمهور. وكذلك «البنات والصيف»، وغيرهما من الأفلام التى كانت تتناول هذه الطبقة التى كانت عماد المجتمع، وتحفظ توازنه، وهى التى تقدم القيم الاجتماعية، وبالتالى كانت السينما تهتم بأعمال “عبدالقدوس” بشكل كبير لدرجة أن اسمه على أفيشات الأفلام كان أكبر من اسم الأبطال، وهذا بخلاف أعمال نجيب محفوظ التى تناولت الطبقات الشعبية.
وقد شهد “عبدالقدوس” معارك والدته السياسية منذ بداية عملها بالصحافة وانشاء مجلة روزاليوسف ثم الجريدة اليومية ، مما انعكس على أعماله الأدبية والسياسية ، وقد تبنت والدته اصدار مجلة فنية ، أما كتابها الوحيد (ذكريات) احتوى على سيرتها الذاتية وكانت شخصية تمتلك إرادة قوية، ويشير إحسان للتشابه بين زوجته ووالدته، فقد اجتمعت فيهما صفات قوة التحمل والقدرة على اتخاذ القرارات . وقد اشتبك احسان مع الواقع السياسى فكانت له معاركه السياسية التى أثرت به مثل عندما انتقد سلطة الاحتلال البريطاني، وعندما انتقد حكومات حزب الوفد أو عندما اختلف مع قادة ثورة يوليو وكتب عن الحرية الفردية والحرية السياسية، وعانى نفسيا بسبب هزيمة يونيو 1967 وتم طرده من اخبار اليوم عام 1968، كما عانى محاولات الاغتيال عدة مرات .
إن أدب احسان عبد القدوس يمثل نقله نوعيه متميزه في الروايه العربيه إلي جانب أبناء جيله الكبار من أمثال نجيب محفوظ ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله, لكن إحسان تميز عنهم جميعا بامرين أحدهما أنه تربي في حضن الصحافه، وتغذي منذ نعومه اظفاره علي قاعده البيانات الضخمه التي تتيحها الصحافه لاختراق طبقات المجتمع المختلفه، وكانت الصحافه, وصالون روزاليوسف والعلاقات المباشره بكبار الأدباء والفنانين والسياسيين ونجوم المجتمع هي المنبع الذي أتاح لإحسان عبد القدوس أن يصور الجوانب الخفيه في الحياه المصريه ويتخطي بذلك كثيرا من الحواجز التي حالت بين زملائه وبين معرفه هذه البيانات، أما الميزه الثانيه لادب إحسان فهي أنه كان عميق الإيمان بقضيه الحريه, بمختلف مستوياتها السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه، وإن أدب احسان قد نجح في الخروج من المحليه إلي حيز العالميه, وترجمت معظم رواياته إلي لغات اجنبية كالإنجليزية، والفرنسية، والأوكرانية، والصينية، والالمانية , وقد منحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولي له، كما منحه الرئيس محمد حسني مبارك وسام الجمهوريه, وشارك باسهامات بارزه في المجلس الاعلي للصحافه ومؤسسه السينما ، وقد توفي احسان عبد القدوس فس 11 يناير 1990،ومازال اسمه يلمع عالمياً بأعماله وابداعاته المتميزه .
وقال عنه آخرون بأنه يمثل الكاتب الشامل، حيث يمثل أدب إحسان عبد القدوس نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة، كما يمثل نموذج فذ فى قبول الأخر وتبنى الابداع واحترام الاصوات المختلفة معه سياسيا وكيف كان إنسانا بمعنى الكلمة.ورغم ظلم النقاد له لكن الجماهير انصفته عندما قرأت ابداعه. كما انصفته السينما عندما اصبح أدبه أفلاما تعد من علامات السينما المصرية المميزة التي لا يمكن لأحد تجاهله عند دراسة تاريخ السينما المصرية أو لدى محاولة التعرف على صورة المرأة فى الأعمال الفنية، حيث قدم «إحسان» ما يزيد على 40 عملاً للسينما منها أعمال مأخوذة عن الرواية ومنها ما هو مكتوب خصيصاً للسينما، واعتبر النقاد أن السينما استفادت من المشروع الإبداعى لإحسان عبدالقدوس بشكل كبير، بسبب التوافق بين مشروعه الذى يتناول المرأة بشكل أساسى ودور المرأة فى الواقع .
نعم استطاع عبد القدوس بأعماله إيجاد النوع من التوافق بين مشروعه فى الحديث عن المرأة بأعماله والمرأة فى الواقع، فكان من الطبيعى أن تلتفت السينما إلى أعماله فى مجملها حتى التى لا تتناول قضايا المرأة مثل (فى بيتنا رجل)، مشيراً إلى أن من أهم خصائص إبداعه أنه كان بارعاً فى رصد النماذج النسائية فى رواياته، والتى كان يوظف قضاياها حتى فى المعانى السياسية، فهو لم يكن بالضرورة يقصد المرأة للمرأة فى كل أعماله، فقد يقصد الحرية مثلاً، فقد عكس تجربته الشخصية مع الحرية فى رواية وفيلم «أنا حرة» كما تحدث عن الطبقة التى لم تكن السينما قد تناولتها من كافة جوانبها، وهى الطبقة المرفهة التى تناولها فى عدد من الأعمال مثل فيلمى «النظارة السوداء» و«أنف وثلاث عيون» وغيرهما .
علاوة علي أن أعمال «عبدالقدوس» إضافة مهمة جداً للسينما، وأنه من أكثر الكتاب الذين انتبهت السينما لأعمالهم الروائية واهتمت بتحويلها إلى أفلام، لأنه واكب فى كتاباته مرحلة تغير اجتماعى كبير جداً فى دور الفتاة المصرية، وقدم نماذج مختلفة للمرأة المصرية على الشاشة، خاصة بعد ثورة 23 يوليو 1952، فقد انفتح الباب لتقديم أشكال مختلفة من النماذج النسائية، بل ظهرت نجمات بالسينما تمثل هذه النماذج مثل لبنى عبدالعزيز حيث كانت أقرب الفنانات شبهاً ببطلاته، كونها مثقفة تخرجت فى الجامعة الأمريكية، وهى فى الواقع تشبه الشخصيات التى قدمتها فى هذه الأعمال، واكتفى بنموذج البنت المغلوب على أمرها، سواء فى الواقع أو فى السينما، خصوصاً بعد 1956 .
ورغم ذلك لم يلقَ التكريم المستحق من جانب الدولة المصرية التي منحته جائزتها بعد وفاته، وكأنها نوع من الترحم، أو قراءة الفاتحة على روحه». والسبب في ذلك إلى كونه كاتباً جريئاً وغير تقليدي، وكانت الدولة لا تنحاز لهذا النوع من الكتابة، بل تعطي جوائزها للكتاب التقليديين.
ولد إحسان عبد القدوس في الأول من يناير عام 1919، أمه هي فاطمة اليوسف، أو روز اليوسف، لبنانية الأصل، نشأت يتيمة، إذ فقدت والديها منذ بداية حياتها، واحتضنتها أسرة مسيحية صديقة لوالدها، وهي في الثامنة من عمرها، وأطلقوا عليها اسم روز، رغم أنها كانت تعلم أن اسمها فاطمة، وأثناء هجرتها معهم إلى أمريكا، رست الباخرة في ميناء الإسكندرية، فطلب الفنان إسكندر فرح من الأسرة، التنازل عن الفتاة ليتولاها، وقد كان صاحب فرقة مسرحية، فوافقت الأسرة، ومن هنا كانت بداياتها الفنية، فعملت ممثلة بالفرقة، وقدمت أشهر الشخصيات بعبقرية فذة، مثل غادة الكاميليا وغيرها، ثم تعرفت على المهندس محمد عبد القدوس في حفل، وقد كان من هواة الفن، فأعجبت به، وتزوجا، واحترف التمثيل، وكان يكتب للمسرح، ولكنه كان ينتمي لأسرة محافظة ترفض الفن، فأبوه الشيخ رضوان من خريجي الأزهر، ونشأ إحسان وسط هذا الجو، حيث تربى في بيت جده المتدين، ثم انتقل لبيت والدته الفنانة والصحفية، فهي سيدة متحررة، تفتح بيتها لعقد الندوات الثقافية والسياسية، لكبار رجال الفن والسياسة، فكان لذلك “تأثير كبير على نشأته حيث جمعت أسرته بين عدة تناقضات فى وقت واحد فجده لوالده هو الشيخ رضوان، أحد خريجى الأزهر، بينما عشقت والدته ووالده الفن مما أثر عليه وأحدث له تغيرات خاصة بالدين والحياة الواقعية ، ورغم حرص جده على تنشئة أفراد العائلة على الإيمان العميق وارتباطهم بالاسلام ، فإن إحسان كان يعد نفسه كأديب، وساعده فى ذلك قراءته بالانجليزية للأدب العالمى” .
وإحسان عبد القدوس، الكاتب الشامل، والذي يعد من أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب البعيد عن العذرية وتحولت أغلب قصصه إلى أفلام سينمائية، تحل ذكره مولده المائة اليوم، إذ ولد في 1 يناير 1919، وتوفي في 12 يناير 1990 عن عمر ناهز 71 عامًا.
يمثل أدب إحسان عبد القدوس نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة، وهو ابن السيدة روز اليوسف اللبنانية المولد وتركية الأصل وهي ُمؤَسِسَة مجلة روز اليوسف ومجلة صباح الخير، أما والده فهو محمد عبد القدوس كان ممثلاً ومؤلفاً مصري.
وإحسان عبدالقدوس، هو ابن قرية الصالحية بمحافظة الشرقية، والذي جاء ليدرس في الأزهر، وليتخرج من الجامع ويتقدم للعمل الحكومي، فشغل منصب رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، وبالتزامن درس في مدرسة خليل آغا بالقاهرة 1927-1931م، ثم في مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة 1932م-1937م، وتخرج من كلية الحقوق عام 1942، وفشل في أن يكون محامياً. ويتحدث عن فشله هذا فيقول: “كنت محامياً فاشلاً لا أجيد المناقشة والحوار وكنت أداري فشلي في المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت وهو أمر أفقدني تعاطف القضاة، بحيث ودعت أحلامي في أن أكون محامياً لامعاً.
تولى إحسان عبد القدوس رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، وكان عمره وقتها 26 عاماً، وهي المجلة التي أسستها والدته ولكن لم يمكث طويلاً ليقدم استقالته بعد ذلك، ويترك رئاسة المجلة لأحمد بهاء الدين، ويتولى بعدها رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم من عام 1966 إلى عام 1968، ومن ثم عين في منصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير في الفترة بين 1971 إلى 1974.
وقد كتب “عبدالقدوس” ما يقرب من 600 رواية وقصة قصيرة وترجمت العديد من رواياته الى الانجليزية والفرنسية والالمانية والصينية والاوكرانية وانتقد فى رواياته التفكك الاجتماعى، كما نشر سلسلة مقالات للدكتور مصطفى محمود حول فلسفة الدين واعتبر عبد الناصر ان هذه المقالات تحمل طابعا إلحاديا، وقد تعرضت بعض اعماله للمنع من الجهاز الرقابى على المصنفات الفنية . إلا أن الغالبية العظمى من المبدعين والصحفيين اتفقوا على أن احسان كاتب صحفى متميز وعلى قدر من الشجاعة ويمتاز برقة وحساسية شديدة، فقد كتب عن الديانات فى المجتمع المصرى ، وتمتع بعلاقة وثيقة مع بعض العائلات اليهودية ، وتناول فى كتاباته ظاهرة الانفتاح الثقافى والتعددية الدينية لدى المصريين، كما تعرض للعائلات اليهودية وتمتعها بكل مظاهر الارستقراطية المصرية من قوة اقتصادية ونفوذ سياسى وجاه اجتماعى وحرية دينية .
وروايات “عبدالقدوس” تشبه السينما، والسينما المصرية فى ذلك الزمن كانت تشبه رواياته، والجمهور كان من الطبقة المتوسطة، فى مرحلة ما قبل الانفتاح الاقتصادى الذى تغيرت بعده نوعية الجمهور، وكانت أعمال «إحسان» تُقدم الطبقة المتوسطة فى الأعمال، فهم يذهبون للسينما ليشاهدوا حكاياتهم، ففيلم «أنا حرة» لا يناسب إلا بيئة معينة ونوعاً خاصاً من الجمهور. وكذلك «البنات والصيف»، وغيرهما من الأفلام التى كانت تتناول هذه الطبقة التى كانت عماد المجتمع، وتحفظ توازنه، وهى التى تقدم القيم الاجتماعية، وبالتالى كانت السينما تهتم بأعمال “عبدالقدوس” بشكل كبير لدرجة أن اسمه على أفيشات الأفلام كان أكبر من اسم الأبطال، وهذا بخلاف أعمال نجيب محفوظ التى تناولت الطبقات الشعبية.
وقد شهد “عبدالقدوس” معارك والدته السياسية منذ بداية عملها بالصحافة وانشاء مجلة روزاليوسف ثم الجريدة اليومية ، مما انعكس على أعماله الأدبية والسياسية ، وقد تبنت والدته اصدار مجلة فنية ، أما كتابها الوحيد (ذكريات) احتوى على سيرتها الذاتية وكانت شخصية تمتلك إرادة قوية، ويشير إحسان للتشابه بين زوجته ووالدته، فقد اجتمعت فيهما صفات قوة التحمل والقدرة على اتخاذ القرارات . وقد اشتبك احسان مع الواقع السياسى فكانت له معاركه السياسية التى أثرت به مثل عندما انتقد سلطة الاحتلال البريطاني، وعندما انتقد حكومات حزب الوفد أو عندما اختلف مع قادة ثورة يوليو وكتب عن الحرية الفردية والحرية السياسية، وعانى نفسيا بسبب هزيمة يونيو 1967 وتم طرده من اخبار اليوم عام 1968، كما عانى محاولات الاغتيال عدة مرات .
إن أدب احسان عبد القدوس يمثل نقله نوعيه متميزه في الروايه العربيه إلي جانب أبناء جيله الكبار من أمثال نجيب محفوظ ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله, لكن إحسان تميز عنهم جميعا بامرين أحدهما أنه تربي في حضن الصحافه، وتغذي منذ نعومه اظفاره علي قاعده البيانات الضخمه التي تتيحها الصحافه لاختراق طبقات المجتمع المختلفه، وكانت الصحافه, وصالون روزاليوسف والعلاقات المباشره بكبار الأدباء والفنانين والسياسيين ونجوم المجتمع هي المنبع الذي أتاح لإحسان عبد القدوس أن يصور الجوانب الخفيه في الحياه المصريه ويتخطي بذلك كثيرا من الحواجز التي حالت بين زملائه وبين معرفه هذه البيانات، أما الميزه الثانيه لادب إحسان فهي أنه كان عميق الإيمان بقضيه الحريه, بمختلف مستوياتها السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه، وإن أدب احسان قد نجح في الخروج من المحليه إلي حيز العالميه, وترجمت معظم رواياته إلي لغات اجنبية كالإنجليزية، والفرنسية، والأوكرانية، والصينية، والالمانية , وقد منحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولي له، كما منحه الرئيس محمد حسني مبارك وسام الجمهوريه, وشارك باسهامات بارزه في المجلس الاعلي للصحافه ومؤسسه السينما ، وقد توفي احسان عبد القدوس فس 11 يناير 1990،ومازال اسمه يلمع عالمياً بأعماله وابداعاته المتميزه .