إحتياج الأمة إلي الإصلاح


بقلم / محمــــد الدكـــروري

لقد أكرم الله تعالي البشرية جميعا بالرسالة الخاتمة التي بعث الله عز وجل بها رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا، فقال تعالى كما جاء في سورة سبأ ” وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا” ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، فاستحق بحق أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم منقذا للبشرية، وأسوة للعالمين، وإن الأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويعيد الوئام إلى المتنازعين، إصلاح تسكن به النفوس، وتأتلف به القلوب وإصلاح يقوم به عصبة خيرون شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم، وإنهم بمثل هذه المساعي الخيرة يبرهنون على نبل الطباع وكرم السجايا.

وفئات من ذوي الشهامة من الرجال والمقامات العلية من القوم، رجال مصلحون ذو خبرة وعقل وإيمان وصبر، يخبرون الناس في أحوالهم ومعاملاتهم، حذاق في معالجة أدوائهم، أهل إحاطة بنفوس المتخاصمين وخواطر المتباغضين والسعي بما يرضي الطرفين، ومن أجل ذلك، فقد عظم ثوابه، وكبر أجره، فهو أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين” ولقد باشر الصلح بنفسه، صلى الله عليه وسلم حين تنازع أهل قباء، فندب أصحابه وقال “اذهبوا بنا نصلح بينهم” وإن من فقه الإصلاح النية، وابتغاء مرضاة الله، وتجنب الأهواء الشخصية، والمنافع الدنيوية.

إذا تحقق الإخلاص حل التوفيق وجرى التوافق وأنزل الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، ومن فقه الإصلاح سلوك مسلك السر والنجوى، فلئن كان كثير من النجوى مذموما فإن ما كان من صدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس فهو محمود مستثنى، وإن من الناس من يأبى أن يسعى في الصلح فلان أو فلانة، وآخر يصر على أن تكون المبادرة من خصمه وتمشيا مع هذه المسالك السرية والتحركات المحبوكة أذن الشارع للمصلح بنوع من الكذب في العبارات والوعود فهذا هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” فليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، أو يقول خيرا ” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يصلح الكذب إلا في ثلاث رجل يصلح بين اثنين، والحرب خدعة، والرجل يصلح امرأته”

وميدان الصلح واسع عريض في الأفراد والجماعات والأزواج والزوجات، والكفار والمسلمين، والفئات الباغية والعادلة، في الأموال والدماء، والنزاع والخصومات، وسمع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، إذا أحدهم يستوضع الآخر ويسترفقه أي يطلب منه أن يخفف عنه دينه وهو يقول والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ” أين المتألي على الله ألا يفعل المعروف؟” فقال أنا يا رسول الله، فقال له “أي ذلك أحب؟” فعدل الرجل عن يمينه، واستجاب لتذكير رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة لله ورسوله، واستجابة لداعي الحق، فالإنسان هو البنيان المرصوص والجسد الواحد ذو الأعضاء المتعاطفة.

تصوير لحال المجتمع المسلم الذي أراده الله وشرعه، ومن شأن ذلك البنيان والجسد حصول التصدع، والنفرة بين بعض أعضائه، وحصول التقاطع في أحايين قد تقل أو تكثر حسب ابتعادهم عن منهج الألفة والرحمة مما شرعه الله عز وجل، واتباعهم لأهواء النفوس، وضعفها، ونزغات الشيطان وحزبه، وبعد ذلك تبقى مهمة ترميم البناء ورأب صدعه وإصلاح ذات البين وتأليف أعضاء الجسد المتشاكسين هي الواجب المحتم والوسيلةَ التي ترتقي بالمجتمع للغاية المرادة شرعا، والوظيفة السامية التي لا يُكرم بها إلا الأخيار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.