بقلم / محمـــد الدكـــروري
الخميس الموافق 24 أكتوبر 2024
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي وهو يتحدث عن الذي يعمل أعمالا صالحة لا يريد إلا الدنيا، كالذي يتعلم من أجل الوظيفة، أو يعتمر لغيره من أجل المال فقط وأما العمل لأجل الدنيا وتحصيل أغراضها، فإن كانت إرادة العبد كلها لهذا القصد، ولم يكن له إرادة لوجه الله والدار الآخرة، فهذا ليس له في الآخرة من نصيب، وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن، فإن المؤمن وإن كان ضعيف الإيمان لا بد أن يريد الله والدار الآخرة، وأما من عمل العمل لوجه الله ولأجل الدنيا، والقصدان متساويان أو متقاربان.
فهذا وإن كان مؤمنا فإنه ناقص الإيمان والتوحيد والإخلاص، وعمله ناقص لفقده كمال الإخلاص، وأما من عمل لله وحده، وأخلص في عمله إخلاصا تاما لكنه يأخذ على عمله جعلا معلوما، يستعين به على العمل والدين كالجعالات التي تجعل على أعمال الخير، وكالمجاهد الذي يرتب على جهاده غنيمة أو رزقا، وكالأوقاف التي تجعل على المساجد والمدارس والوظائف الدينية لمن يقوم بها، فهذا لا يضر أخذه في إيمان العبد وتوحيده لكونه لم يرد بعمله الدنيا، وإنما أراد الدين وقصد أن يكون ما حصل له معينا على قيام الدين ولهذا جعل الله في الأموال الشرعية كالزكوات وأموال الفيء وغيرها جزءا كبيرا لمن يقوم بالوظائف الدينية والدنيوية النافعة، وقيل أنه نزل بعبد الله بن المبارك في بعض الأيام عشرة من العلماء.
ولم يكن عنده ما يضيفهم به وما كان يملك سوى فرس يحج عليها سنة ويغزو سنة فذبح ذلك الفرس وطبخ منه وقدمه بين يدي أضيافه فقالت له زوجته سبحان الله ما كنت تملك سوى هذا الفرس من الدنيا فلم ذبحته فدخل سريعا الى بيته وأخرج من متاع بيته بقدر مهرها وطلقها في وقته وساعته وقال امرأة تبغض الأضياف لا تصلح لنا فأتاه بعد ذلك بأيام رجل وقال له يا إمام المسلمين لي بنت وقد توفيت أمها وهي في كل يوم تمزق دست ثياب حزنا وغما واليوم تريد أن تقصد مجلسك فقل في تسليتها شيئا لعل قلبها يرق فلما جلس على المنبر ذكر من هذا الباب ما تسلت به الصبية عن أمها فلما عادت الى البت قالت يا أبت قد تبت ولا أعود أسخط الله تعالى ولكن لي اليك حاجة قال وما حاجتك قالت أنت تقول دائما أرباب الأحوال وأبناء الدنيا يطلبونك ويخطبونك.
فناشدك الله لاتزوجني لغير عبد الله بن المبارك فإن كان ماله دنيا فإن لنا دنيا فزوجها أبوها بعبد الله بن المبارك وحمل اليه جهازا كثيرا ومالا كبيرا وأنفذ اليه عشرة أفراس ليجاهد عليها في سبيل الله فرأى عبد الله في بعض الليالي في منامه قائلا يقول ان كنت طلقت من أجلنا عجوزا فقد أعطيناك صبية بكرا وان كنت ذبحت فرسا واحدا فقد أعطيناك عشرة أفراس وعوضها لتعلم أن الحسنة بعشر أمثالها عندنا ولا يضيع عندنا أجر المحسنين وما عاملنا احد فخسر ولا حكاية، نسأل الله العافية والسلامة والصلاح لنا ولأبنائنا وبناتنا، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.