بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم النبيين محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد، إن خلق الحياء في المسلم غير مانع له أن يقول حقا أو يطلب علما أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منـكر، فقد شفع مرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فلم يمنع الحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأسامة في غضب ” أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة والله لو سرقت فلانة لقطعت يدها ” ولم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية أن تقول يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هب احتلمت ؟ فيقول لها رسول الله ولم يمنعه الحياء ” نعم إذا رأت الماء” وقد خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة.
فعرض لغلاء المهور فقالت له امرأة أيعطينا الله وتمنعنا يا عمر ألم يقل الله “وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا” فلم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق نسائها ولم يمنع عمر أن يقول معتذرا كل الناس أفقه منك يا عمر، وكما قال مرة في المسلمين وعليه ثوبان فأمر بالسمع والطاعة فنطق أحد المسلمين قائلا فلا سمع ولا طاعة يا عمر عليك ثوبان وعلينا ثوب واحد، فنادى عمر بأعلى صوته يا عبد الله ابن عمر فأجابه ولده لبيك أبتاه فقال له أنشدك الله أليس أحد ثوبي هو ثوبك أعطيتنيه ؟ قال بلى والله، فقال الرجل الآن نسمع ونطيع فانظر كيف لم يمنع الحياء الرجل أن يقول ولا عمر أن يعترف، وروى شعبة عن منصور بن ربعي عن أبي منصور البدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى يا ابن آدم إذا لم تستحي فاصنع ما شئت “
وليس هذا القول إغراء بفعل المعاصي عن قلة الحياء كما توهمه بعض من جهل معاني الكلام ومواضعات الخطاب، واختلف أهل العلم في معنى هذا الخبر فقال أبوبكر بن محمد الشاشي في أصول الفقه، معنى هذا الحديث أن من لم يستحي دعاه ترك الحياء إلى أن يعمل ما يشاء لا يردعه عنه رادع، فليستحي المرء فإن الحياء يردعه، وقال أبو بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة أن المعنى فيه إذا عرضت عليك أفعالك التي هممت بفعلها فلم تستحي منها لحسنها وجمالها فإصنع ما شئت منها فجعل الحياء حكما على أفعاله وكلا القولين حسن والأول أشبه لأن الكلام خرج عن النبي صلى الله عليه وسلم مخرج الذم لا مخرج المدح ولكن قد جاء حديث بما يضاهي الثاني وهو قوله صلى الله عليه وسلم ” ما أحببت أن تسمعه أذناك فائته وما كرهت أن تسمعه أذناك فاجتنبه “
وقال أبو الحسن الماوردي في كتابه ” أدب الدنيا والدين ” الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه أحدها هو حياؤه من الله تعالى، والثاني حياؤه من الناس، والثالث هو حياؤه من نفسه، فأما حياؤه من الله تعالى فيكون بإمتثال أوامره والكف عن زواجره، وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” استحيوا من الله عز وجل حق الحياء، فقيل يا رسول الله فكيف نستحي من الله عز وجل حق الحياء ؟ قال من حفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وترك زينة الحياة الدنيا وذكر الموت والبلى، فقد استحيا من الله عز وجل حق الحياء ” وهذا الحديث من أبلغ الوصايا، وقيل دخل أبو حامد الخلقاني على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فأنشده هذه الأبيات إذا ما قال لي ربي، أما استحييت تعصيني.
وتخفي الذنب من خلقي، وبالعصيان تأتيني، فما قولي له لما، يعاتبني ويقصيني، فأمره الإمام أحمد بإعادتها، فأعادها عليه، فدخل الإمام أحمد داره وجعل يرددها وهو يبكي.