بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كانت الصحابة الكرام، هم أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا وقد اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه ” وكما قاله ابن مسعود رضي الله عنه “فحبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة ” وهم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، في قول الله عز وجل فى سورة النمل “قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى” وقال هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن مسعود رضي الله عنه ” إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم، خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه “
والصحابي هنا هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، مؤمنا به، ومات على ذلك، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ” وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ” لقد منّ الله سبحانه وتعالى على البشرية جمعاء بمنة عظيمة ألا وهي إرساله عز وجل، إليهم الرسل والأنبياء الكرام مبشرين ومنذرين ليخرجونهم من الظلمات إلى النور بإذن الله تعالى، لئلا يكون لهم حجة بعد الرسل، فهم الذين يقودون موكب البشرية للإيمان والحق، وحولهم عليهم الصلاة والسلام، رجال ينشرون دعوتهم من بعدهم، ويأتي في طليعة أولئك الرجال، الرجال الذين كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين.
علما وعملا وتصديقا وصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهادا في سبيل الله والدعوة إلى دينه، وسبقا إلى كل خصلة جميلة، فبلغوا الغاية في العلم والفضل والمعروف منزلة لم يبلغها أحد قبلهم ولا بعدهم، اصطفاهم الله لتلقي التنزيل، وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل بالدين القويم، فكانوا في جميع أمور حياتهم على الصراط المستقيم، فأثنى الله عليهم بحسن الإيمان، وسلامة المنهاج، وسداد القول، وصالح العمل، وكمال الخلق، وأخبر برضاه عنهم، ووعدهم بجنات النعيم، وقد اجتمع لهم تزكية الله تعالى وثناؤه، ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذكره لفضائلهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحسن الناس خلقا، وقد ظهر ذلك جليّا في تعامله مع أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وذلك من خلال حرصه على أن يكون شريكا لهم في أفراحهم وأحزانهم، وقوتهم وضعفهم، مما كوّن علاقة قوية تجمعه بهم وتدل على مدى حبه لهم.
وعن أبي التياح، قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول قالت الأنصار يوم فتح مكة وأعطى قريشا، والله إن هذا لهو العجب، إن سيوفنا تقطر من دماء قريش، وغنائمنا ترد عليهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا الأنصار قال، فقال صلى الله عليه وسلم “ما الذي بلغني عنكم؟ وكانوا لا يكذبون، فقالوا هو الذي بلغك قال صلى الله عليه وسلم ” أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم، لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم” وليس بعد هذا المديح كلام يقال، وكان منهم هذا الصحابى الجليل ثابت بن قيس، وإن الحديث عن سيرة حياة ثابت بن قيس فهو الحديث عن سيرة صحابى كان من أكثر الأنصار محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أشدهم ورعا وتقوى، وعن عبدالله بن شقيق رضي الله عنه قال “قلت لعائشة رضي الله عنها هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو قاعد؟
قالت نعم، بعد ما حطمه الناس” رواه مسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال “كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا، فيصلي فيه ركعتين” رواه البخاري، وعن أبي برزة رضي الله عنه قال ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها” رواه الترمذي، وعن العباس رضي الله عنه قال ” كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة” رواه البخاري، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني، فيقول أعندك غداء؟ فأقول لا، فيقول إني صائم، قالت فأتاني يوما، فقلت يا رسول الله، إنه قد أهديت لنا هدية، قال وما هي؟
قالت قلت حيس وهو طعام من الدقيق، واللبن، والسمن قال أما إني قد أصبحت صائما، قالت ثم أكل” رواه الترمذي، ولأن الكلام من وحي الله العليم الخبير، فلقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بالواقع تماما، ففتحت البلاد وفق إخباره صلى الله عليه وسلم، ففتحت اليمن والشام، ثم فتحت العراق، وحدث تفرق الناس في هذه البلاد، لما فيها من السعة والرخاء، ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرا لهم، حتى الذين رأوا تلك البراهين في زمان النبى محمد صلى الله عليه وسلم وادعوا أنها من قبيل السحر والكهانة وادعوا على القرآن بأنه من قبيل الشعر، حتى هؤلاء وإن قالوا ذلك، فإنهم قالوه ليس إلا لرفض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ويتضح ذلك في كلام النضر بن الحارث الذي يقف بين قومه ويقول “يا معشر قريش، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا، وأرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة.
حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه، وقلتم مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم”