بقلم / محمـــد الدكــــروري
إن من الآداب التي حث عليها الإسلام هو اتقان العمل فعلي المسلم أن يتقن في عمله، وتلك صفة عظيمة في حياة المؤمن، لذلك كانت مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإتقان في الأعمال، فقد قال “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” وكما أن يكون العامل قويا وأمينا، وكما أن من آداب العمل في الإسلام أن يكون العامل قويا أمينا، والقوة تتحقق بأن يكون عالما بالعمل الذي يسند إليه، وقادرا على القيام به، وأن يكون أمينا على ما تحت يده، فقال الله تعالى ” إن خير من استأجرت القوي الأمين” وكما أن من الآداب في الإسلام هو الرحمة والتراحم فيما بيننا، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخلنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وهو يحتضر فجعلت عينا رسول الله تبكيان.
فقال عبدالرحمن بن عوف وأنت رسول الله؟ فقال “يا ابن عوف إنها رحمة” ثم قال “إن العين لتدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون” بل كان صلى الله عليه وسلم يُقعد أسامة بن زيد على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ويقول “اللهم ارحمهما فإني ارحمهما” بل تعدى الأمر من الرحمة بالبشر الى الرحمة بالبهائم فقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت فقال “من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله فقال.
“أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه” رواه أبوداود، بل إننا نجد هذا ظاهرا وواضحا في قصة من أجمل وأروع القصص بين الصحابي الجليل أبوذر الغفاري وبين سيد المسلمين بلال بن رباح، فقيل اجتمع الصحابة في غزوة من الغزوات، ولم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام، فجلس خالد بن الوليد، وجلس ابن عوف وبلال وأبو ذر وكان أبو ذر فيه حدة، لا يصبر ويندفع بسرعة، فتكلم أبو ذر بكلمة اقتراح، يقول أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا، فقال بلال لا،هذا الاقتراح خاطئ ؟ فقال حتى أنت يا ابن السوداء تخطئني “لا إله إلا الله” فقام بلال مدهوشا مرعوبا غضبانا أسفا وقال والله لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أكبر هيئة.
ومن هو بلال ؟ روح الإسلام، ومنادي السماء، بلال هو الصوت الحبيب إلى القلوب بلال هو الذي سُحب على الرمل، وهو يقول أحد أحد، فوصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أما سمعت أبا ذر ما يقول فيّ؟ يقول فيّ يا ابن السوداء فتغيظ عليه الصلاة والسلام، ولما سمع أبو ذر فاندفع مسرعا إلى المسجد، فقال يا رسول الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فغضب عليه الصلاة والسلام حتى قيل ما ندري هل رد أم لا؟ وقال “يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية” هذه كأنها صاعقة على أبي ذر، فبكى أبو ذر وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم جلس، وقال يارسول الله استغفر لي، سل الله لي المغفرة، وفي الأخير أتى عليه الصلاة والسلام فجلس واستدعى بلالا.
وطلب منه أن يسامح أبا ذر، أما أبو ذر فخرج من المسجد باكيا، فقد ذهب فطرح رأسه في طريق بلال، وأقبل بلال العبد، الذي ماكانت تقيم الجاهلية له قيمة أتى أبو ذر فطرح خده على التراب مباشرة، وقال والله يا بلال لا أرفعه حتى تطأه برجلك، وأنت الكريم وأنا المهان، رفع الله منزلتك يا أبا ذر ورضي الله عنك، وهنا يقول تعالي في سورة الأنفال ” وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم” فأتى بلال فأخذ يبكي من هذا الموقف، فمن الذي يستطيع أن يقف هذا الموقف ولا ينصدع قلبه؟ إن بعضنا يسيئ إلى البعض عشرات المرات، ولا يقول عفوا يا أخي أو سامحني، فإن بعضنا يجرح بعضا في عقيدته وشرفه وأغلى شيء في حياته.
ولا يقول سامحني لكنه قال والله لا أرفع خدي حتى تطأه بقدمك، فبكى بلال واقترب فقبل خده، وقال ذاك الخد ما يصلح للقدم يصلح للقبلة، ذاك الخد أكرم عند الله تعالي من أن يوضع عليه القدم، ثم قاما وتعانقا وتباكيا، فهذه حياتهم يوم تعاملوا مع الإسلام فليس عندنا ألوان، ولا أبيض ولا أحمر ولا أسود، فيقول تعالي ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”