د. محمود محمد علي
يعد عباس محمود العقاد أديب ، ومفكر ، وصحفي ، وشاعر مصري ، ولد في أسوان عام 1889 ، وهو عضو سابق في مجلس النواب المصري ، وعضوا في مجمع اللغة العربية ، وهو أحد كتاب القرن العشرين في مصر ، وقد ساهم بشكل كبير في الحياة الأدبية والسياسية ، وأضاف للمكتبة العربية أكثر من 100 كتاب في مختلف المجالات ، قال : لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة ، ولكنني أحب الكتب لأن حياة واحدة لاتكفيني” .
اشتغل العقاد وظائف حكومية كثيرة في مصلحة التلغراف ، ومصلحة السكة الحديد ، وديوان الأوقاف ، لكنه استقال منها واحدة بعد الأخرى ، وبعد أن مل العقاد العمل الروتيني الحكومي ، وبعد أن ترك عمله في كل مرة ، اتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة اطلاعه يقول العقاد: لا يكفي أن تكون في النور ، بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه” .
كان العقاد ذا ثقافة واسعة ، إذ عٌرف عنه أنه موسوعي المعرفة ،فكان يقرأ في التاريخ الإنساني : الفلسفة ، الأدب، علم النفس ، علم الاجتماع ، وبدأ حياته الكتابية بالشعر والنثر ، ثم زاد على ذلك الفلسفة ، والدين ، ولقد دافع في كتبه عن الإسلام وعن الإيمان فلسفيا وعلميا ، ككتاب “الله” ، وكتاب ” حقائق الإسلام وأباطيل خصومه” ، ودافع عن الحرية ضد الشيوعية والوجودية والفوضوية .
وكتب عن المرأة كتابا عميقا فلسفيا، أسماه ” هذه السجرة” حيث يعرض فيه المرأة من حيث الغريزة والطبيعة ، وعرض فيه نظريته في الجمال يقول العقاد : إن الجمال هو الحرية، فالإنسان عندما ينظر إلى شيء قبيح ، تنقبض نفسه وينكبح خاطره ، ولكنه إذا رأى شيئا جميلا ، تنشرح نفسه ، ويضطرب خاطره ، إذن فالجمال هو الحرية، والصمت الجميل هو الذي يخرج بسلاسة من الحنجرة ولا ينحاش فيها ، والماء يكون آسنا ولكنه إذا جرى وتحرك يصبح صافيا عذبا، والجسم الجميل هو الجسم الذي يتحرك حرا ، فلا تشعر أن عضوا منه قد نما على الآخر ، وكأن أعضاءه قائمة بذاتها في هذا الجسد ” ، ومن أقواله أيضا في هذا المجال :” إن الغرابة ليست بعيب ، ولكن المألوف هو المعيب إن قصر عن الغرض المطلوب” .
كذلك اشتهر العقاد بمعاركه الأدبية والفكرية مع الشعر ” أحمد شوقي” ،والدكتور ” طه حسين” ، والدكتور ” زكي مبارك” ، والأديب ” مصطفي صادق الرافعي” ، والعراقي “الدكتور مصطفي جواد ” ، والدكتورة “عائشة عبد الرحمن” ، وفي عام 1934 أقيم حفل تكريم للعقاد حضره العديد من الأدباء ، ومجموعة من الأعلام والوزراء ، وألقي الدكتور ” طه حسين” في هذا الحفل كلمة مدح فيها شعر العقاد فقال ” تسألونني لماذا أومن بالعقاد في الشعر الحديث وأومن به وحده ؟ ، وجوابي يسير جدا لأنني أجد عند العقاد ما لا أجده عند غيره من الشعراء ، وحين أسمه شعر العقاد ، إنما أسمع الحياة المصرية الحديثة ، وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربي الحديث. كذلك قال عنه الدكتور ” جابر عصفور ” هن شعر العقاد ، بأنه لم يكن من شعراء الوجدان الذين يؤمنون بأن الشعر تدفق تلقائي للانفعالات ، بل هو وتحد من الأدباء الذين يفكرون فيما يكتبون وقبل أن يكتبون ، ولذلك كانت كتاباته الأدبية فيض العقول .
ومن أشهر كتاباته الإسلامية كتابه ” الله” في الفلسفة الإسلامية ، ومجموعة العبقريات ، والمرأة في القرآن ، وحقائق الإسلام وأباطيله خصومه ، والإنسان في القرآن ، ومن أشهر أعماله البحثية “أشتاب المجتمعات” ، و” الثقافة العربية أسبق من الثقافة اليونانية والعبرية والشيوعية والوجودية ، ومن كتبه في الشير الذاتية كتبه عن : ابن الرومي ، وعمرو بن العاص ، وابن سينا ، وغاندي ، وأبو نواس ، ورجعة أبي العلاء ، وهتلر في الميزان ، وسعد زغلول .
وقد ترجمت بعض كتبه إلى اللغات الأخرى ، فترجم كتابه المعروف ” الله ” إلى اللغة الفارسية ، ونقلت عبقرية محمد ، وعبقرية الإمام علي ، والحسين بن على أبو الشهداء إلى الفارسية أيضا ، والأردية ، كما ترجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والروسية .
وتوفي العقاد في القاهرة عام 1964 بعد أن ترك ميراثا ضخما من الفكر والأدب ، والتاريخ للمكتبة العربية بنحو أكثر من 100 كتاب ، وأكثر من 15000 مقال مما يملأ مئات الكتب الأخرى .