بقلم / حسين عبد اللطيف
من بلاد النوبة ” إبريم “
تقع إبريم على ربوة صخرية منعزلة تشرف على نهر النيل، و قد بنى الفراعنة فيها ثلاثة معابد منحوتة في الجبل على ارتفاع عشرة أمتار من منسوب الأرض المحيطة بها. و بني أقدم هذه المعابد في أيام ملكة مصر حتشبسوت و بني المعبد الثاني أيام تحتمس الثالث الفرعون المحارب و بني المعبد الثالث أيام رمسيس الثاني الذي ملأ النوبة بمعابده و أشهرها معبد أبو سمبل.
كانت قلعة إبريم تسمى ” بريميس ” و هذا أسم روماني قديم، و جاء ذكر هذه القلعة عند القائد بترونيوس الذي هاجم مدينة بسلخيس و هي ” قرية الدكة ” و قام بالاستيلاء عليها و واصل سيره حتى مدينة بريميس و هي” إبريم ” المدينة المحصنة ذلك الحصن العملاق في ذلك الوقت حتى وصل إلي” نباتا ” داخل مملكة النوبة القديمة و بعد الاستيلاء على حصن بريميس وضع فيها حوالي ٤٠٠ جندي روماني ومعهم طعام وزاد يكفيهم لمدة عامين لحماية الحصن ثم شد الرحال إلي إسكندرية.
و تقع ” إبريم ” التاريخية على الضفة الشرقية لنهر النيل و كانت تسمى قصر إبريم مقر حكام النوبة ، و لكن سكان إبريم رحلوا إلي الضفة الغربية للنيل بسبب غرق البيوت ناحية الشرق عام ١٩٣٣ مع تعلية الخزان الثانية.و كانت تبدأ حدودها الجنوبية من “الدر ” و تنتهي عند ” توشكى “و استطاعوا بمرور الزمن تنمية مواردهم من بيع البلح عام بعد عام و كونوا ثروة طائلة من النقود و الماشية فجعلت فيها نوع من الثراء. و قد غزا المسلمون النوبة عدة مرات بعد صلح عبد الله ابن سعد بن أبي الصرح ، مرة في خلافة هشام بن عبد الملك و لم تفتح، ثم غزاها يزيد بن أبي حاتم بن قبيصة على يد عبد الأعلى بن حميد، و غزاها كافور الاخشيدي، ثم غزاها ناصر الدولة بن حمدان و أغر على السودان لكن جيشه نهب و اخذ منه كل ما كان معه و رجع خاسرا و ذلك في سنة ٤٥٩ ه ١٠٦٦م ، ثم غزاها بعد ذلك شمس الدولة نوران شاه شقيق صلاح الدين الأيوبي و لم يتجاوز إبريم. ثم مضى إليها جيش الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي في رجب ٦٧٤ ه اكتوبر ١٢٧٥م و تكررت هذه الحملات مرارا و دارت معارك بين ملك النوبة و كل من بني عكرمة و بني جعد و يبدو أن بعضا من بني عكرمة بالصعيد صاهرت ملوك النوبة و البجاة على إثر صلح بينهما مما مهد لانتقال الحكم إلي العرب حيث كان من عاداتهم بانتقال الحكم إلي ابن الاخ او ابن الاخت كما حدث مع قبيلة ربيعة ( أولاد الكنز) و غيرهم من القبائل.
و بعد حدوث مذابح المماليك في القاهرة على يد محمد علي و هروب جماعات كبيرة منهم نحو الجنوب شرعوا في السطو و النهب لقرى النوبة حتى وصلوا إلي إبريم و اخذوا من وادي إبريم ١٢٠٠ بقرة و استولوا على ما فيها من غنم و ماعز و سجنوا كبار تجار إبريم و اخذوا فدية تجاوزت مائة ألف ريال اسباني و من المفارق أن معظم سكان إبريم لجئوا إلي وادي” الشباك ” أثناء اجتياح المماليك واديهم و بيوتهم و نهب ماشيتهم.
في سفح الربوة العالية التي بها قلعة إبريم نقش حكام بلاد النوبة في عصر الدولة الحديثة الفرعونية بعض الرسومات على الجدران تمثل ملوكهم يتعبدون إلي آلهة المنطقة و لم يعثر الا على مقبرة واحدة لأحد هؤلاء الحكام و هو ” بننوت ” الذي عاصر الملك رمسيس السادس في القرن الثاني عشر قبل الميلاد و الذي كان نوبيا و اختار جبانة معام عنيبة لتشيد مقبرته و كانت من اجمل المقابر في الدقة و لا تزال النقوش و الرسومات فوق جدرانها محتفظة بألوانها الزاهية.
.