د. محمود محمد علي
قد لا أكون مبالغا إن قلت بأنني لست من أنصار وأتباع من يكابرون ويتبرمون على الجهر بالحقيقة وفي وقتها القانوني دون أن تطالهم صافرة اللوم والنقد والعتاب مهما يكن من أمر أو تشتد بهم العواصف العاتية والرياح الهوجاء التي قد تجرفهم في تيارها الواسع البعيد في نقطة اللاعودة، ولأن أستاذ القانون الدولي كما اعتقد هو ذلك الكيان المسكون والمخلوط بروح العطاء الخارق، فهو يمثل الرسالة البيضاء المليئة والمتدفقة في كل الجامعات والمحافل الفلسفية أينما كان وحيثما وجد فلولا هذا الأستاذ ما أطلت علينا نسائم وبشائر التفوق في عالم القانون، وما شعرنا بقيمة الرجال العظماء والمفكرين الأفذاذ ، وما تلذذنا بطعم الكلمات والتعليقات الساخرة واللاذعة التي تقطر بها أقلامهم وتلهج بها ألسنتهم وتخطها أناملهم في كبريات المؤتمرات غير عابئين أو مكترثين بما يعترضهم من مصاعب ومشاق.
والدكتور عصام محمد أحمد زناتي – أستاذ القانون الدولي العام، بكلية الحقوق، جامعة اسيوط ، واحدا من هؤلاء الأساتذة العاشقين للمؤتمرات القانونية، فلا يًعقد مؤتمرا في علم القانون الدولي في الشرق والغرب إلا ويكون عصام زناتي (مع حفظ الألقاب) أحد المشاركين فيه إما بالحصور أو بألقاء بحث وهذه ميزة تحمد له
ولد عصام زناتي في خمسينيات القرن الماضي بمركز البداري بأسيوط ، حيث حصل على دكتوراه في القانون الدولي العام، جامعة كليرموفيران ، 1985، وتدرج في المناصب الإدارية عميد ونائب رئيس جامعة لسنين طول ، وهو والله نعم القاضي العادل الواسع الصدر ، المحيط بكافّة ملابسات القضية التي يحكم فيها بالعدل ، والصارم في إصدار الأحكام العادلة إذا تكشّفت الحقائق وليس هنالك من يعيقه ، فليس في حكمه محاباة لأحد ولا بخس لآخر ، وذو الضمير الحي الصادق مع نفسه ومع الآخرين بعيدا عن المجاملة والمحسوبية والمنسوبية والمذهبية والطائفية والعرقية والقومية والفئوية والمذهبية، والعالم العارف بالقانون وبروح القانون والقارئ ما بين السطور ، والعارف ما يراد من النص ، وهو البحر الزاخر المطمطم في القانون الدولي والسد المنيع في تطبيق القانون بعلمه حينا وبشجاعته أحيانا كثيرة.
وهو بالإضافة إلي ذلك بأنه يعد نموذج للأستاذ الجامعي كما ينبغي أن يكون سواء في التزامه بأداء واجباته الاكاديمية والوظيفة علي أحسن ما يكون الأداء أو في ارتباطه بطلابه في علاقة إنسانية رفيعة المستوي في هدي من التقاليد الجامعية التي يحرص عليها كل الحرص ، إذ هي دستوره في كل معاملاته مع كل من هو في الوسط الجامعي.
والدكتور عصام زناتي ذو شخصية هادئة وأريحية تحرص على تنمية ثقافة الحوار وقبول الأخر، ونبذ التطرف والعنف، والوقوف على حقوق الإنسان، وتنمية مهارات الاتصال، والوقوف على ثقافة العولمة والحداثة وما بعد الحداثة، علاوة علي أنه من المؤمنين بأن تقدم جامعة أسيوط ومستقبلها أصبح مرهونا بإعمال العقل وبكفاءة وقدرة أبنائها علي التعلم، وما يحققه التعليم في الوقت نفسه من بهجة .
ويتمتع الدكتور عصام زناتي بذكاء خارق ومقدرة ظاهرة وكامنة أتاحت له في بعض الأحيان العمل على مدى أربع وعشرين ساعة متواصلة من دون كلل، وكان حيوياً ونشيطاً في عمله، وهو إنسان ذو قدرات عالية لا ينام أكثر من خمس ساعات في الليل، عنيد، لا يحده سقف في التطلع والرقي بعمله، وفي الوقت نفسه فهو موصوف أيضاً بأنه “جنتلمان” ومنطقي لا يستثار، ومثابر من الطراز الأول كأغلب المصريين .
هذا بالإضافة إلي أنه باحث متفرد، يصغى إلى نوره الداخلي، يحمل في خلاياه هموم كل البشر والمخلوقات، خاصة البسطاء؛ أوجاعهم في أضعف لحظات العجز، وأحمالهم الثقيلة، وأحلامهم المتكسرة، في وقت ربما لا يجيد العديد منا سوى الشكوى من أبسط عثراته الشخصية.
وتحيةً أخري لرجلٍ لم تستهوه السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل تاريخ القانون الدولي من بوابة واسعة متفرداً.
الأستاذ الدكتور محمود محمد علي
أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط