كتب / فرج أحمد فرج
باحث انثروبولوجيا
لماذا يلجأ الانسان للعشوائية ؟
مازلت عالقا في الشارع لا أستطيع ان اعبره – مازلت عاجزا ان ارفع رجلي واجتاز رصيف الشارع – لا زلت لا اجد رصيف امشي عليه – لا زلت اضع يدي علي اذني احمي نفسي من الضوضاء السمعية والبس نظارة سوداء احمي عيني من العشوائيات البصرية .
العشوائية تستعمل في العلوم للتعبير عن انعدام الغرض والغاية. فالعشوائي يعبر تماما عن هذا المعنى من فقدان الهدف أو السبب أو الترتيب. بمعنى أن العشوائية فقدان التخطيط. يستخدم مصطلح العشوائية مع كثير من المصطلحات المتعلقة بخواص إحصائية قابلة للقياس، مثل فقدان الارتباط أو فقدان الانحياز.
تذكرت حفيدي الذي يعيش في بلد اجنبية وهو يقف والشارع فارغ تماما من المارة والسيارات وليس معه احد يراقبة بجوار الاشارة التي تعطيه الضوء الاخضر كي يعبر الشارع .
ورايت فيديو وهو يقود دراجته الهوائية في ممشي خاص للدراجات – هو مصري واللهي العظيم مصري وكان يعيش لعمر الثمانية سنوات هنا وسط هذا الكم اللامتناهي من الفوضي والعشوائية -0 وتسالت ما التغير الذي حدث لديه وهو مشبع من بيئة غذته وارضعته من العشوائية من صغره وحفرت في وجدانه ومخيلته – ومن تكوين السلوك ما يكفي .
هل لقنة احد في البيئة الجديدة وعلمه وسقاه مشروب السلوك والانظباط بمشروب سحري فجعلته منضبط .
من خلق العشوائية عليه ان يصرفها ” علي راي المثل اللي حضر العفريت علية ان يصرفه”اصبحنا بلا ارصفه نمشي عليها وان وجدت فهي غير مؤهلة للمشي الا ما ندر في اماكن التصوير والاستديوهات المعدة للمسئول عند افتتاح الممشي.
هل يعقل ان تكون البلدورات ارتفاعها 40سم واكثر ولم يراعي فيها كبار السن ولا ذوي الاحختياجات الخاصة تجاوزها – هل يعقل ان حرم الطريق يتحول الي محطات وقود ومطاعم واكشاك لمجرد ان الخازينة تحتاج تمويل دون مراعاة انسانية الفرد في ان يجد ممشي امن من الطريق والسيارات المارقة في الشوارع كما في امتوبر والشيخ زايد .
هذا الفكر المادي والتكراري جعل الكثير من المسئولين لا هم لهم الانسان بل ان يسدد للخزينة اكبر قدر ممكن من الاموال .
هل نزلت يوما لوسط القاهرة الخداوية ذات المباني الشبيهة بفرنسا ورايت كم العشوائيات بها – لا يوجد رصيف تمشي عليه فقد افترشه الباعة والزائرين للبلاد من افريقيا يبيعون المنتوجات الجلدية وبعض الادوية الوهمة بقدرتها الافريقية للجنس .. الكل في الشارع يبيع – والكل يفترش تحت الكباري الملابس الاستوك “البالات ” المستخدمة في اكبر تجارة من كورنيش النيل حتي العتبة في منظومة تحدي لكل ما هو منظم وجميل .
العشوائية هي من أصل الفوضى وعدم النظام والاتزان والتوازن ولعل السبب الرئيسي للعشوائية هي درجة وعي الإنسان في الأمر ذاته،
العقلية العشوائية = تفكير عشوائي + قرارات عشوائية + تخطيط عشوائي والنتيجه غير مرضية بالتأكيد
مما خلق كيانات عشوائية السلوك والابنية وتصرفات ومفردات الحياة في التعاملات فيما بين الفرد والفرد والفرد والمجتمع والدولة
الأحياء العشوائيّة هي: المناطق التي تم فيها إنشاء مجموعات من الوحدات السكنيّة على أراض لا يحق لشاغليها المطالبة القانونيّة بها أو يشغلونها بشكل غير قانوني؛ فنشأت الأحياء العشوائيّة غير المخطّط لها والمناطق التي لا يتوافق فيها الإسكان مع اللوائح الحاليّة للتّخطيط والبناء (الإسكان غير المصرح به)
المنطقة العشوائية(عشوائيات) هي منطقة سكنية غير منظمة بنيت في الغالب بدون ترخيص وقد تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة كالماء الصالح للشرب، الكهرباء وغيرها …هذا ما جعل الدولة تهتم بايجاد حياة كريمة للافراد ومثال لذلك ” انموذج ” الاسمرات .
ويتبقي هنا والسؤال الذي يفرض نفسة – بناء الانسان كي يستطيع ان يستوعب هذه النقلة الفجائية لحياته ويستوعب التغير . فأول درس درسناه في هندسة الانتاج .. كان علي العينة العشوائية .
العينة العشوائية أو الاحتمالية هي اختيار الباحث لمجموعة صغيرة من السكان للحصول على معلومات تفيد بحثه ولتمثيل مجتمع دراسته، ولكن ما يميز هذا النوع من العينات أن الاختيار يكون عشوائيًا، وبالتالي سيكون لكل أفراد مجتمع الدراسة فرصًا متساوية للظهور في العينة، فإذا أراد الباحث معرفة خصائص سكان دولة ما فإنه يستحيل أن يتمكن من مقابلة جميع السكان، ولهذا يختار من بينهم أفرادًا بطريقة عشوائية.
يستخدم الباحثون هذا النوع من العينات لتقليل خطر تعرضهم للتحيّز إلى أفراد دون غيرهم، فالاختيار العشوائي لن يتيح لهم فرصة اختيار أفراد بشكل قصدي، وتتسم العينات العشوائية بأنها تستخدم في الأبحاث التي تحاكي عددًا كبيرًا من السكان، وما يميزها أن نتائجها تكون صحيحة ودقيقة، وبالتالي يمكن تعميمها على مجتمع الدراسة. وأنها بسيطة وسهلة وذات تكلفة معقولة.
الانثربولوجيا – ترصد متغيرات وسلوك افراد المجتمع والتحولات والاسباب التي دفعت اليها وانا جبت بنفسي رغم كبر سني وصورت وسجلت وصفيا ما يحدث علي الشارع وما احدثه الكوبري الجديد – من الفراغ تحته وما حوله – انشئ بؤر تغطي الحاجات من مواقف ميكروباصات استغلت الفراغ والظل وعربات الشاي والفول والطعمية والباعة الجائلين إلى المحلات الجديدة مثال أسفل جسور حي مصر الجديدة، ومواقف الميكروباص العشوائية على الطرق السريعة والبطيئة ومطالع الجسور ومنازلها، وأكشاك الحلوى والمشروبات الغازية المناطحة لبعضها بعضاً على الرصيف في محاولة للعثور على إجابات لسؤالي: لماذا تسكت الغالبية أو تميل إلى أو تحبذ العشوائية؟
والعشوائية التي أصبحت سمة من سمات الملايين، سواء من يعيشون في مناطق عشوائية أو في مناطق جيدة التخطيط أو بين بينين، انعكست على تفاصيل الحياة الكبيرة والصغيرة ومتناهية الصغر.لم تقفلا عند احياء بذاتها بل امتدت الي المدن والاحياء الجديدة التي بنتها الدولة واضرب مثال ميدان الحصري في مدينة السادس من اكتوبر وتحويل الاحياء السكنية الي تجارية – طالما يدفعون للخازينة .
هل يعقل ان يتحول معهد ديني لاحدي الجمعيات الدينية في شارع سكني الي مستشفي بقدرة قادر – وبدل من ان ينعم سكان هذا الحي بالهدوء والسكينة -تتحول حياتهم الي جحيم – كل يوم صوات وعويل للميتين بالمستشفي – في شارع لا يقل عرضة عن 8 امتار – لانه سكني يتحول الي تكدس سيارات مرتادي المستشفي وعربة الاكسجين التي تمول المستشفي تسد الشارع وابواب العمارات ونصبح اسري في بيوتنا لا نستطيع الخروج حتي تفرغ من عملها – بخلاف انهم قد اعتدوا واستولوا علي املاك الدوله والتي يبلغ ثمنها للملاين وحولوا الحديقة المجاورة والمخصصة خدمة اهالي الحي فبنوا عليها الاسوار ووضعوا الابواب والاقفال – اضافة للاعتداء علي حرم مسجد الحي والذي حولوه الي مخازن للمستسفي – ضاربين النظام باستغلال النفوذ .
في خضم مئات الطرق والجسور الجديدة التي غيرت وجه شبكة الطرق والنقل في مصر، وملايين الوحدات السكنية التي توشك أن تضع كلمة النهاية أمام الأحياء العشوائية، وعشرات التجمعات التجارية والصناعية التي تنقل الأنشطة خارج المربعات السكنية، يلاحظ البعض (على الرغم من ضخامة حجم الإنجازات) افتقاداً للتفاصيل الصغيرة التي تعكس احتياجات المواطنين. العديد من الطرق الجديدة يخلو من أماكن عبور مشاة، ما يجعل عبورها بالغ العشوائية ناهيك عن تعريض حياة العابرين للخطر. وكثير منها يخلو من مواقف مخططة جيداً للميكروباصات التي صارت فرض عين في حياة المواطن المصري، ما يجعل مواقفها عشوائية وتحميل الركاب وإنزالهم عشوائياً. كما أن الرقابة ويد القانون مازالتا تعانيان وهناً ناجماً من تباطؤ منفذي القانون، الذين يحتاجون تدريباً وتوعية بماهيته وأهميتها. كما أن استدامة نظافة الأحياء الجديدة وسلامة طرقها وملاءمة عماراتها لاحتياجات السكان، حيث الأولوية لمحلات البقالة والخضروات والعطارة الصغيرة على “المولات” الشاهقة، لا تزال تبحث لنفسها عن موقع في مجلدات التخطيط والتنفيذ.
انا لاانكر جهد الدولة في التغلب علي هذه الظاهرة _ فهي تقوم بحملات الازالة ومصادرة المخالفات بكافة الاجهزة المحلية والشرطية والتنفيذية ولكن – لم يمضي ساعة واحدة وتعود ريمه لعادتها القديمة ويفترشون ثانية من جديد ضاربين بالقوانين والنظام والمحاسبة – عرض الحائط بل ويخرجون السنتهم – وهذا ايضا ما رايته بنفسي من مرافقة حملة ازالة .
وقفت ثانية امام السؤال المهم – الذي بدات منه المقال – لماذا يلجأ الانسان للعشوائية ؟
انه -بناء الإنسان بمنظومة متكاملة، تبدأ من الصغر عبر التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة والمدرسة والرياضة والإعلام وبيوت العبادة . وخبراء السياسة ومحللو الوضع العام، يؤكدون أن العقود الخمسة الماضية شهدت تدهوراً كبيراً وانهياراً مفزعاً في كل ما سبق بدرجات متفاوتة، ووفق القدرات المادية والاجتماعية للأفراد.
غاية القول إن الجميع طالته العشوائية، إن لم يكن بحكم السكن والجيرة والعمل وتفاصيل الحياة الصغيرة، فبالمجاورة والاضطرار للتعامل مع أعداد متزايدة من أبناء العشوائيات الذين تمكنوا من أن تكون لهم اليد العليا العددية، وإن لم يكن هذا أو ذاك فبالخروج إلى الدنيا في سنوات اعتناق العشوائية أسلوب حياة وطريقة تفكير. القضاء على العشوائيات بتشييد ملايين البيوت الآدمية هو مجرد بداية القضاء على العشوائية.
فرج احمد فرج
باحث انثربولوجيا