بقلم / محمــــد الدكـــروري
تتعدد مظاهر قدرة الله في الكون، فهي موجودة أينما نظرنا، في أنفسنا، وفي الأرض والسماء بما فيها من موجودات ومخلوقات طيور وحيوانات وطبيعة خلابة وإن كل ما نراه في هذا الكون يدفعنا للتفكر والتامل في الخالق، فهو الذي خلق فأبدع، وصوّر فأحسن التصوير، وجعل كل أجزاء الكون متصلة منتظمة وفق نظام دقيق لا يحيد، فسبحانه تعالى وحده المستحق للعبادة، وهو عز وجل جدير بالشكر والحمد على نعمه التي لا تحصى ولا تعد، والأجدر بأن يبدأ الإنسان بتأمل نفسه، ليدرك قدرته تعالى وإبداعه وإتقانه، فقد خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأنعم عليه بنعم لا تحصى ولا تعد، فأعطاه عينين ليبصر بهما ويتلمس طريقه ويتعرف على الأشياء حوله.
وأعطاه قلبا ينبض ويضخ الدم إلى مختلف أنحاء الجسم، ودماغا ينظم عمل أجهزة الجسم ويدرك به ويعقل، وإن من أعظم المخاطر على دين العبد هو السَّير وراء حب هذه الدنيا الفانية بدون ضوابط شرعية ولا قيود دينية، وإن من أشد الفتن على المسلم هو التكالب على متاع هذه الحياة الزائلة، وجعلها الغايةَ والهدف بحد ذاته دون رقابة إيمانية، ومراعاة لأحكام إسلامية، وإن من الفتن الخطيرة على المسلم، هو أن يجعل الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، ومحور سعيه، وغاية وجوده، ومن غلب حب دنياه على حب دينه، وقدَّم شهواته على طاعة مولاه، فقد وقع في حبائل الشيطان الجسام، ومصائده العظام، ويقول الله تعالى ” وأحل لكم البيع وحرم الربا”
وعن أبي مسعود الأنصارى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب أى ثمن بيعه، ومهر البغى، وهو ما تعطى على الزنا، وحُلوان الكاهن وهو ما يعطى على تكهنه” رواه البخارى ومسلم، ومن هذا القبيل، الغبن الفاحش في البيع والشراء، بأن يزيد في ثمن السلعة زيادة فاحشة، مصحوبة بتزيين المغشوش، والكذب في وصفه وتحديد تاريخه، كما يفعل ببعض الناس، وكل ذلك غش ومكر وخديعة، والرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من ذلك ويقول”من غشنا فليس منا، والمكر والخديعة في النار” رواه الطبرانى، ولقد تفطن السلف الصالح لخطورة هذا الأمر، وبلغ بهم الورع إلى ترك الحلال أحيانا مخافة الوقوع في الحرام، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه “كنا ندع تسعة أعشار الحلال، مخافة أن نقع في الحرام”
ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما “لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، لم يُقبل ذلك منكم إلا بورع حاجز أى مانع” ويقول ابن المبارك “لأن أردّ درهما من شُبهة، أحب إليّ من أن أتصدق بمائة ألف” ويقول يحيى بن معاذ رحمه الله “الطاعة خزانة من خزائن الله، إلا أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لقم الحلال” ومما رواه البخارى في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان لأبى بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقينى فأعطانى بذلك، فهذا الذى أكلت منه، فأدخل أبو بكر رضى الله عنه يده، فقاء كل شيء في بطنه”