بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم الثلاثاء الموافق 16 يوليو 2024
الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سرّه وجهره، يسمع أنين المظلوم عند ضعف صبره، ويجود عليه بإعانته ونصره، أحمده على القدر خيره وشره، وأشكره على القضاء حلوه ومره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جاد السّحاب بقطره، وطلّ الربيع بزهره، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام على غاية الحذر والمراقبة والورع، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم” إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها” رواه البخارى ومسلم، وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه “كنا ندع سبعين بابا من الحلال، مخافة أن نقع في باب الحرام”
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ” كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام” فانظر إلى هذه المراقبة الحقة، والورع الصادق، ثم انظر إلى حال كثير من الناس اليوم وانهماكهم في الشبهات دون تهيّب أو تخوّف، فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك التمرة مع أنه قد يكون بأمس الحاجة إليها من شدة الجوع ولوعته، فقد كان يمر الشهر والشهران ولا يوقد في بيته النار، وهنالك أناس أتخمت بطونهم، وتضخمت أرصدتهم، وهم مع ذلك لا يترددون في التهام ما يبدو أمامهم دون تبصّر لأمر حله وحرمته سئل الإمام أحمد عن الثمرة يلقيها الطير، فقال” لا يأكلها، ولا يأخذها ولا يتعرض لها” وإنه بعد بيان هذا المعنى العظيم، ويقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعطي صورة جميلة، قبل نهاية الحديث “كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يقع فيه”
وهكذا النفس إذا اقتربت من مواطن الشهوات ومراتع المغريات فإنه يستهويها البريق، والأَولى أن يبتعد بها عن مواطن الخلل وأماكن الزلل، ألا وإن لكل ملك حمى، فماذا تفيد هذه العبارة، وما هو القصد منها؟ وهو أنه كما أنه لكل ملك من ملوك الدنيا حمى لا يجرؤ أحد على القرب منه فضلا عن انتهاكه أو الوقوع فيه، فإن أجلّ مَن يجب أن يخاف منه، وأعظم من يجب احترام محارمه، هو ملك الملوك عز وجل فإن له حمى ممنوعا محظورا، وهو محارمه، وقد حذر الله سبحانه وتعالى، في كتابه الكريم من الاقتراب من محارمه، أو انتهاك حدوده، فقال تعالى فى سورة البقرة ” تلك حدود الله فلا تفربوها” وقال تعالى أيضا فى سورة البقرة ” تلك جدود الله فلا تعتدوها” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه” رواه البخارى ومسلم.
وإن أمر الله سبحانه وتعالى للعباد ونهيهم هو عين حظهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة إن سمعوا له وأطاعوا، ومصدر أمره سبحانه وتعالى ونهيه رحمته الواسعة، وبره وجوده، وإحسانه وإنعامه، فله الحمد والشكر على ما شرعه وأمر به، وليس لأحد من الخلق أن يحل أو يحرم من عند نفسه، فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة النحل” ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاع قليل ولهم عذاب أليم” فما من شك أن الله تبارك وتعالى هو الخالق لعباده، وهو الرازق لهم، والجهة التي تخلق وترزق هي التى تشرّع فتحل وتحرم، وتأمر وتنهى، وقد أباح الله تعالى للناس جميعا أن يأكلوا مما رزقهم الله في الأرض حلالا طيبا.
إلا ما شرع لهم حرمته لمضرته، وحذرهم من عدوهم الشيطان الذي غرّ أباهم آدم فأوقعه فيما حرم الله فقال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة البقرة ” يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا ولا تتيعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين”