الدكروري يكتب عن اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الخميس الموافق 11 يناير 2024

 

الحمد لله أحاط بكل شيء خبرا، وجعل لكل شيء قدرا، وأسبغ على الخلائق من حفظه سترا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة عذرا ونذرا، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، أخلد الله لهم ذكرا وأعظم لهم أجرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين ثم أما بعد لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقبّل الأطفال ويمسح على رؤوسهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي، فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال ” مَن لا يَرحم لا يُرحم”

ومن روائع المواقف الإنسانية موقفه صلى الله عليه وسلم لما مرّت عليه جنازة رجل يهودي فعن قيس بن سعد، وسهل بن حنيف، كانا بالقادسية، فمرت بهما جنازة، فقاما، فقيل لهما إنها من أهل الأرض؟‏ فقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل إنه يهودي؟‏ فقال “أليست نفسا؟” مسلم، فيا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقف مع إنسانية النبي صلى الله عليه وسلم مع خصومه وأعدائه في حروبه وسراياه، فالذي يتأمل الحروب التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجد أنها لم تكن عدوانا ولا فرضا لسطوته، ولا ظلما لأعدائه، بل كانت تحمل في طياتها الرحمة والإنسانية، وتتمثل الإنسانية الحانية في ذلك المشهد الذي يفيض رحمة ورفقا، ومع كل ذلك كان لا يفتأ عليه السلام.

أن يقول “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون” فعن عروة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ، ثم قال يا محمد، إن الله سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” رواه البخاري ومسلم، أما الجانب الإنساني في حروبه، فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقَ التعامل مع الأسرى بالرفق والرحمة واللين، ففي معركة بدر عندما أسر المسلمون سبعين رجلا من المشركين، روي عن نبيه بن وهب أخي بني عبدالدار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأُسارى فرّقهم بين أصحابه، وقال “استوصوا بالأُسارى خيرا” قال وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى، قال فقال أبو عزيز مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني، فقال شدّ يدك به فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، قال وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر.

فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم، خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، قال فأستحيي فأردها على أحدهم، فيردها عليّ، ما يمسها، وكان هذا الخلق الكريم، الذي غرسه القائد الرحيم محمد صلى الله عليه وسلم في أصحابه وجنده وشعبه قد أثر في إسراع مجموعة من كبراء الأسرى وأشرافهم إلى الإسلام، فأسلم أبو عزيز عقب معركة بدر، بعد وصول الأسرى إلى المدينة وتنفيذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم معه السائب بن عبيد، وعاد الأسرى إلى بلادهم وأهليهم يتحدثون عن محمد صلى الله عليه وسلم ومكارم أخلاقه، وعن محبته وسماحته، وعن دعوته، وما فيها من البر والتقوى والإصلاح والخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.