بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ذكرت المصادر التاريخية أن من القصص العجيبة التي حصلت في ذلك اليوم الصعب من معركة القادسية، قصة الخنساء وأبنائها الأربعة، فقد جمعت أبناءها في أول الليل، وأوصتهم بالصبر على الجهاد في سبيل الله، فخرج أبناؤها الأربعة، فقاتلوا ببسالة، حتى قتلوا جميعا، فلما بلغها الخبر، قالت “الحمد لله الذى شرّفنى بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته” وقد يتعجب البعض من انتصار المسلمين في القادسية وغيرها من المعارك، وعدد العدو أضعاف أضعاف المسلمين فلما العجب وفي نساء المسلمين من أمثال الخنساء فكيف بالرجال؟ وقد ذكر ابن كثير رحمه الله فى البداية والنهاية قصة امرأة همّام بن الحارث النخعي، قالت “شهدنا القادسية مع أزواجنا، فلما أتانا أن قد فُرغ من الناس شددنا علينا ثيابنا، وأخذنا الهراوى، ثم أتينا القتلى.
فمن كان من المسلمين سقيناه ورفعناه، ومن كان من المشركين أجهزنا عليه، ومعنا الصبيان فنوليهم ذلك تعني استلابهم لئلا يكشفن عورات الرجال” حقا فإنها المرأة المسلمة، لبنة من لبنات المجتمع المسلم تشارك في مجالها، وتحافظ على حيائها وعفافها فأين هذه الصورة من بعض نساء اليوم ممن يلهثن وراء عروض الأزياء، وبيوتات الموضة، متأثرات بموجات التغريب والعلمنة؟ وكيف لا ينتصر المسلمون، وفيهم رجل عجوز أعمى، مثل ابن أمّ مكتوم رضي الله عنه وأرضاه؟ حيث قال أنس بن مالك رضي الله عنه “رأيت يوم القادسية عبد الله بن أمّ مكتوم، وعليه درع يجر أطرافها، وبيده راية سوداء، فقيل له أليس قد أنزل الله عذرك؟ قال بلى، ولكني أكثر سواد المسلمين بنفسي، وقال ادفعوا إليّ اللواء.
فإني أعمى لا أستطيع أن أفر، فأقيمونى بين الصفين” واستشهد رضي الله عنه وأرضاه يوم القادسية، ودفن هناك ليعطر تلكم البقعة بدمه الطاهر، فإنها الهمم العالية، والبذل العجيب في سبيل هذا الدين رجالا ونساء، وقد أصبح القوم لليوم الثالث على التوالى وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان شهيد، ومن المشركين عشرة آلاف قتيل، فنقل المسلمون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وبات القعقاع ولم ينم تلك الليلة، واستمر القتال حتى الصباح، فجمع حوله جماعة من الرؤساء وشجعهم، وكان رضي الله عنه هو محور المعركة الفاصلة، فقال لهم “إن الدائرة بعد ساعة لمن بدأ القوم، فاصبروا ساعة” فقصدوا رستم، وخالطوا جيش العدو، فوصل القعقاع إلى سرير رستم، وقتلوا من دونه، فهرب رستم.
ونزل في الماء، فرآه هلال بن علفة، فلحق به، ورمى بنفسه عليه، وتناوله من رجليه، فأخرجه من الماء، ثم ضرب جبينه بالسيف، حتى قتله ثم ألقاه بين أرجل البغال، ثم صعد طرف السرير، وقال قتلت رستم ورب الكعبة، فكبر المسلمون، فلما رأى الفرس ذلك المنظر، وبعد قتال استمر يومين كاملين دون توقف، انهزموا، فتبعهم المسلمون برماحهم وسيوفهم، وهم يقتلون فيهم.