الدكروري يكتب عن الإجتهاد في طلب العلم “جزء 1”


بقلم / محمــــد الدكــــرورى

الدكروري يكتب عن الإجتهاد في طلب العلم “جزء 1”

إن أهل العلم هم الشهداء مع الملائكة على وحدانية الله تعالى، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين لنا أن ثواب طالب العلم، كثواب المجاهد في سبيل الله ، فمما لا بد أن يعلم أن الله تبارك وتعالى جعل للمجاهدين في سبيله في الجنة مائة درجة ما بين درجة ودرجة كما بين السماء والأرض، هذه المائة درجة للمجاهدين في سبيل الله، فهذه الآيات وتلك الأحاديث، وهذه البشارات تحث المؤمنين وتدفعهم على الحرص والرغبة في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله ونفع الناس به، فينتفع وينفع، يريد ما عند الله جل وعلا، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ” فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم” فكونه يهتدي على يديه واحد أو جماعة خير عظيم، فمن دل على خير فله مثل أجر فاعله، فالمؤمن يبذل وسعه، ويحرص على التفقه في الدين والتعلم، وعلى بذل العلم، والنصيحة للناس.

وتوجيه الناس إلى الخير أينما كانوا، وهو يريد بذلك ثواب الله، ويريد أجره، ويطلب بذلك رضاه، ومما جاء من أقوال السلف الصالح في بيان فضل طلب العلم ومدارسته، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي ذر، قالا الباب يتعلمه الرجل أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا، وقال أبو الدرداء مذاكرة العلم ساعة خير من قيام ليلة، ويقول أبو هريرة رضى الله عنه لأن أفقه ساعة أحب إليّ من أن أحيي ليلة أصليها حتى أصبح، وعنه قال لأن أعلم بابا من العلم في أمر أو نهي أحب إليّ من سبعين غزوة في سبيل الله عز وجل، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال تذاكر العلم بعض ليلة أحب إليّ من إحياءها، ويقول أبو موسى الأشعرى، لمجلس أجلسه من عبد الله بن مسعود، أوثق في نفسي من عمل سنة، وعن الحسن قال لأن أتعلم بابا من العلم فأعلمه مسلما أحب إليّ من أن تكون لي الدنيا كلها، أجعلها في سبيل الله عز وجل، وعنه قال إن كان الرجل ليصيب الباب من العلم فيعمل به.

فيكون خيرا له من الدنيا وما فيها لو كانت له فيجعلها في الآخرة، وعنه قال مداد العلماء ودم الشهداء مجرى واحد، أي في الأجر والثواب، وقال الزهري تعلم سنة أفضل من عبادة مائتي سنة، وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، وقال الثوريى لا نعلم شيئا من الأعمال أفضل من طلب العلم والحديث لمن حسنت فيه نيته، فقيل له وأي شيء النية فيه، قال يريد الله والدار الآخرة، وقال الشافعى طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، ورأى مالك بعض أصحابه يكتب العلم ثم تركه وقام يصلي فقال عجبا لك ما الذي قمت إليه بأفضل من الذى تركته، وسئل الإمام أحمد أيما أحب إليك، أن أصلي بالليل تطوعا أو أجلس أنسخ العلم؟ قال إذا كنت تنسخ لتعلم أمر دينك فهو أحب إليّ، وقال أحمد أيضا العلم لا يعدله شيء، وقال معاذ بن عمران كتابة حديث واحد أحب إليّ من قيام ليلة، وقال معاذ بن جبل تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية.

وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأن العلم سبيل منازل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء، والمعين على الضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة، تقتص آثارهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم ، وبأجنحتها تمسحهم، ويستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار الأبرار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، ويعرف الحلال والحرام، وهو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء.

والعالم الصالح مقدم في أبواب الفضل على العابد كما جاءت بذلك الأحاديث، فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب” وإن جميع الخلق يشتركون في نعوت متشابهة في الأصل والخلقة ويتبقى فضل العلماء مميزا لهم بين الناس كأنهم شامة في جبين المجتمع على الدوام، وحتى بعد الموت تنال بركات العلم أهله فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ” رواه مسلم، وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ” إني كنت وجار لي من الأنصار، في بني أميّة بن زيد، وهي من عوالى المدينة، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله” رواه البخاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.